22 سبتمبر، 2025
ANEP الاثنين 22 سبتمبر 2025

فضيحة جديدة للمخزن: الصحة غائبة وأجهزة القمع حاضرة لمواجهة “حراك المستشفيات” بالهراوات والاعتقالات

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
فضيحة جديدة للمخزن: الصحة غائبة وأجهزة القمع حاضرة لمواجهة “حراك المستشفيات” بالهراوات والاعتقالات

لم يعد مشهد المحتجين أمام المستشفيات في المغرب مشهداً عادياً، بل تحوّل في الأسابيع الأخيرة إلى عنوان أزمة عميقة تكشف حجم الانهيار الذي يعيشه القطاع الصحي. لكن ما كان من الدولة، بدل التجاوب مع الأصوات المطالبة بالحق في العلاج، إلا أن واجهتها بالمنع والاعتقالات، في مشهد يوثّق مرّة أخرى تلاقي السلطوية مع الفشل الاجتماعي.

الصويرة… الشرارة التي أحرجت المخزن

مدينة الصويرة كانت أولى المحطات التي فجّرت الغضب الشعبي، بعدما خرج العشرات من النشطاء والحقوقيين في وقفة سلمية أمام مستشفى سيدي محمد بن عبد الله، رافعين شعارات تطالب بالحق في العلاج وإنقاذ المستشفى المتهالك. لكن السلطة سرعان ما اختارت الحل الأمني، إذ تدخلت القوات العمومية بعنف مفرط، واعتقلت ما لا يقل عن عشرة محتجين بينهم أعضاء في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، واقتادتهم إلى الدائرة الأمنية الثانية.

قمع لتغطية الفشل الصحي

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي أكبر هيئة حقوقية مستقلة بالمغرب، أدانت بشدّة ما وصفته بـ“الحملة التأديبية المركزية”، معتبرة أن الهدف من القمع هو التغطية على الفشل الحكومي في توفير منظومة صحية لائقة. فالمستشفيات، بما فيها الجامعية، تعاني عجزاً فاضحاً في التجهيزات الطبية ونقصاً حاداً في الأطر، فيما تغيب الأدوية حتى عن الحالات الاستعجالية.

قرارات منع استباقية

اللافت أن السلطات لم تكتف بالقمع الميداني، بل لجأت إلى سياسة المنع الاستباقي. ففي مدن بني ملال وطاطا والصويرة، أصدر الباشوات قرارات رسمية تحظر أي تجمع احتجاجي أمام المؤسسات الصحية، بحجة الحفاظ على النظام العام. وهي خطوة اعتبرها الحقوقيون “انتهاكاً صارخاً للحق الدستوري في التظاهر السلمي”.

“عدوى” الاحتجاج تخيف السلطة

الاحتجاجات لم تبقَ حبيسة المدن الكبرى، بل بدأت تتسع لتصل إلى مناطق مهمشة مثل تاونات، حيث خرج المواطنون في مظاهرات ضد تدهور الخدمات الصحية. وهو ما زاد من قلق سلطات المخزن التي تخشى أن تتحوّل هذه الحركات المحلية إلى موجة وطنية شاملة تضع الحكومة في مأزق سياسي واجتماعي جديد.

العصا بدل الإصلاح

بدل الانخراط في إصلاحات جذرية تنقذ القطاع الصحي من الانهيار، اختارت الدولة الحل الأسهل: “العصا”. فالسلطات لجأت إلى الهراوات والمحاضر الأمنية، فيما بقيت المستشفيات عاجزة عن استقبال المرضى، وغارقة في أزمة مزمنة لم تعد تخفى على أحد.

مفارقة الميزانيات المعلنة

المفارقة الكبرى أن حكومة المخزن تتحدث في كل مناسبة عن “موازنات ضخمة” مخصّصة لقطاع الصحة، لكن الواقع الميداني يكشف شيئاً آخر: أقسام خاوية، تجهيزات معطلة، وأطباء يشتكون من غياب أبسط شروط العمل. وهو ما جعل المواطنين يتساءلون: أين تذهب هذه الميزانيات؟

الدستور يُداس بالأقدام

الحق في التظاهر السلمي مكفول دستورياً، لكن السلطة لم تتردد في دوسه بالأقدام. المحتجون الذين رفعوا شعارات سلمية وجدوا أنفسهم ملاحقين ومعتقلين، فيما اكتفت وزارة الداخلية ببيانات مقتضبة تتحدث عن “ضبط الأمن العام”.

بيانات نارية وتنديد واسع

الفروع المحلية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أصدرت بيانات نارية، طالبت فيها بالإفراج عن الموقوفين وفتح تحقيق في التجاوزات الأمنية. كما حمّلت السلطات مسؤولية تردي الوضع الصحي الذي دفع المواطنين إلى النزول إلى الشارع.

تقارير وطنية ودولية تدق ناقوس الخطر

المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة رسمية، سبق أن أقرّ بأن المقاربة الأمنية لا يمكن أن تعالج مطالب اجتماعية مشروعة. في المقابل، وثّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنماطاً متكررة من القمع في المغرب، محذرة من انزلاق خطير يهدد الحقوق الأساسية للمواطنين.

جبهة مدنية تتشكل

في مواجهة هذه الانتهاكات، بدأت تتشكل جبهة مدنية تضم حقوقيين ونقابيين وسياسيين، تسعى إلى تحويل الاحتجاجات الصحية إلى حركة اجتماعية واسعة، تضع سلطات المخزن أمام مسؤولياتها وتطالب بضمان الحق في الصحة والتعليم والسكن والعيش الكريم.

الخلاصة: لا صحة مع القمع

أحداث الصويرة وما تلاها ليست مجرد وقائع معزولة، بل مرآة عاكسة لأزمة بنيوية في المغرب. فالحق في الصحة لن يتحقق بالهراوات، ولا بالمنع الاستباقي، بل بإرادة سياسية حقيقية تعيد ترتيب الأولويات لصالح المواطن. أما استمرار المقاربة القمعية فلن يؤدي سوى إلى مزيد من الغليان الشعبي وانفجار اجتماعي يلوح في الأفق.

رابط دائم : https://dzair.cc/rp32 نسخ