الثلاثاء 18 نوفمبر 2025

فضيحة “قصر الضيافة” في بوسكورة: عندما تصبح قوانين التعمير مجرد زينة ورقية في المغرب

نُشر في:
فضيحة “قصر الضيافة” في بوسكورة: عندما تصبح قوانين التعمير مجرد زينة ورقية في المغرب

مرة أخرى، يطفو على سطح النقاش العام في المغرب مشهد عمراني عبثي يفضح هشاشة الرقابة وتواطؤ الإدارات، وهذه المرة عبر قصة “قصر الضيافة” في بوسكورة، أو ما أصبح السكان يلقبونه ـ بلا مجاملة ـ بـ“الكرملين”. مبنى ضخم، فخم، شاذ عن محيطه، يطل على أراضٍ فلاحية يُمنع فيها البناء، لكنه خرج إلى الوجود بسلام، وبُني طابقًا فوق طابق، وقاعة خلف أخرى، إلى أن قررت السلطات ـ فجأة ـ أن هناك مخالفة يجب هدمها.

المفارقة لا تكمن في عملية الهدم، بل في السؤال الذي يطرح نفسه بوقاحة: كيف وصل المبنى إلى هذه المرحلة أصلا؟ كيف تُشيَّد بناية تُقدّر قيمتها بـ160 مليون درهم، وتتحول من “دار ضيافة” إلى “قصر حفلات” دون أن يتحرك مسؤول واحد؟ هل كانت السلطات في سباتٍ عمراني أم أن القضية أكبر من مجرد غفلة؟

القصة، كما ترويها مصادر محلية، تبدأ بترخيص بسيط: دار ضيافة ومرافق فروسية. وترتفع الجدران، وتتسع القاعات، وتتضاعف المساحة، ويكبر المشروع مثل كرة ثلج، في منطقة يُمنع فيها المواطن البسيط حتى من بناء كوخ صغير دون أن تنهال عليه المخالفات والغرامات. لكن يبدو أن “ذوي النفوذ” لهم تعريف آخر للقانون، وتعامل آخر مع الترخيص، ومسار خاص لا يعرفه عموم المغاربة.

مالك المشروع، المنتمي لعائلة الحريري المعروفة محليًا، يقول إنه حصل على الترخيص من رئيس جماعة بوسكورة السابق، واستثمر الملايين ووعد بخلق 200 منصب شغل. كلام جميل، لكنه لا يجيب عن السؤال الجوهري: أين كانت المراقبة عندما تحوّلت “دار الضيافة” إلى مركّب أعراس ضخم؟ ولماذا لم تظهر “السلطة” إلا بعد سنوات من الأشغال؟ بل لماذا سُحِب الترخيص سنة 2022 بينما استمرت الأشغال بكل أريحية؟

الأغرب أن الوالي نفسه لم يتحرك إلا بعدما أصبح المشروع واقعًا بصريًا ومعماريًا لا يمكن إخفاؤه. هل كان يحتاج إلى منظار كي يراه؟ أم أن القضية كانت “تحت العين” لكنها ظلت في خانة التغاضي المتعمد، إلى أن تغيّرت الحسابات السياسية؟

هذه الفضيحة ليست حادثًا عابرًا. إنها عينة من أزمة عمرانية مزمنة في المغرب، حيث القانون مرنٌ مع بعض الأشخاص وصلبٌ مع كثيرين، وحيث تُصبح المشاريع وسيلة لإظهار النفوذ أكثر مما هي التزام بقواعد الدولة. ظاهرة تتكرر مع كل تقرير رسمي عن البناء غير القانوني، ومع كل فضيحة رخص استثنائية، ومع كل “مقاول نافذ” يجرّ مؤسسات كاملة خلف طموحاته.

اليوم يُهدم “الكرملين”، لكن ما لا يُهدم هو البنية العميقة للفساد العمراني، وتواطؤ الإدارة، وانتقائية الدولة في فرض القانون. طالما لم تُفتح ملفات المسؤولين الذين سهّلوا هذا المشروع، وطالما اكتفت سلطات المخزن بالحلّ السهل ـ الهدم ـ دون محاسبة حقيقية، فإن “كرملين بوسكورة” لن يكون الأخير، بل مجرد حلقة جديدة في مسلسل عمراني طويل يعيش على أنقاض ثقة المغاربة.

رابط دائم : https://dzair.cc/7qi7 نسخ

اقرأ أيضًا

×
Publicité ANEP
ANEP PN2500015