3 سبتمبر، 2025
ANEP الأربعاء 03 سبتمبر 2025

في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.. المخزن يواصل اعتقال المدوّنة سعيدة العلمي حتى بعد شنّها إضراباً عن الطعام

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.. المخزن يواصل اعتقال المدوّنة سعيدة العلمي حتى بعد شنّها إضراباً عن الطعام

شهد المغرب في الأشهر الأخيرة جدلاً واسعًا حول قضية المدونة والناشطة الحقوقية سعيدة العلمي، التي وجدت نفسها وراء القضبان بسبب آرائها المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي. التهم الموجهة إليها تراوحت بين “إهانة هيئة حكومية” و”نشر أخبار كاذبة”، وهي نفس التهم التي اعتاد القضاء المغربي على استعمالها في السنوات الأخيرة لتجريم حرية التعبير. لكن ما جعل قضيتها أكثر إثارة للرأي العام هو دخولها في إضراب عن الطعام احتجاجًا على اعتقالها، وهو ما حولها إلى رمز جديد لمعركة الحريات في بلد يعيش تناقضًا صارخًا بين خطاب رسمي يرفع شعار الإصلاح والانفتاح، وممارسات ميدانية تتسم بالقمع وتكميم الأفواه.

اعتقال سعيدة العلمي لم يكن حدثًا معزولًا، بل جاء ضمن سياق طويل من المحاكمات والمتابعات التي طالت صحفيين ونشطاء ومدونين. غير أن حالتها أبرزت مرة أخرى إصرار المخزن على معاقبة الأصوات الناقدة، حتى لو كان نشاطها محصورًا في الفضاء الافتراضي. فالتدوينات التي كتبتها العلمي لم تتضمن سوى انتقادات للسياسات العامة وتنديدًا بما تعتبره فسادًا واستبدادًا، لكنها اعتبرت من قبل السلطات تهديدًا للأمن العام. هذا المنطق يكشف عن حساسية مفرطة تجاه الرأي الحر، ويعكس ضعف قدرة النظام على تقبل النقد مهما كان محتواه.

الإضراب عن الطعام الذي خاضته سعيدة العلمي مثّل شكلًا من أشكال المقاومة المدنية، حيث حاولت من خلاله لفت أنظار الرأي العام المحلي والدولي إلى ظروف اعتقالها وإلى التدهور المستمر في وضعية حرية التعبير بالمغرب. وقد أفضى ذلك إلى حملة تضامن واسعة قادتها منظمات حقوقية داخلية وخارجية، بينها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، التي اعتبرت أن القضية لا تتعلق بخرق قانوني فردي، بل بمسار متكامل من الانتهاكات الممنهجة ضد حرية الصحافة والرأي.

القضية سلطت الضوء أيضًا على معاناة السجناء السياسيين داخل السجون المغربية، حيث تتواتر شهادات عن ظروف احتجاز صعبة، ونقص في الرعاية الصحية، وتعامل غير إنساني مع المعتقلين المضربين عن الطعام. ورغم محاولات سلطات المخزن نفي هذه المزاعم أو التقليل من شأنها، فإن صور المعاناة وشهادات المحامين والأهالي تثبت أن هناك فجوة كبيرة بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني. هذا التناقض يزيد من تآكل ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، ويدفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن وعود الإصلاح لا تتجاوز كونها شعارات للاستهلاك الخارجي.

القضية أثارت كذلك أسئلة محرجة على المستوى الدولي. فالمغرب يسعى منذ سنوات إلى تقديم نفسه كشريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مجالات الأمن والهجرة والتنمية، لكن هذه الصورة تهتز كلما ظهرت قضايا مرتبطة بقمع الحريات الأساسية. ومع كل تقرير حقوقي جديد يدين هذه الانتهاكات، تتسع الهوة بين الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن دولة القانون، وبين الواقع الذي يشي بممارسات استبدادية لا تنسجم مع المعايير الدولية.

اللافت أن هذه الاعتقالات لا تُسكت الأصوات المعارضة، بل على العكس، تساهم في توسيع دائرة التضامن وتكريس الوعي العام بخطورة ما يجري. فسعيدة العلمي، مثلما حدث مع صحفيين وناشطين آخرين، تحولت إلى رمز يتجاوز شخصها ليمثل قضية أوسع هي حق المغاربة في التعبير الحر دون خوف من الملاحقة أو السجن. في المقابل، تستمر السلطات في إظهار إصرارها على الدفاع عن أسلوبها القائم على الردع، مما ينذر بمزيد من الاحتقان الاجتماعي والسياسي.

إن ما تكشفه قضية سعيدة العلمي هو أن المغرب يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم. فإما أن ينخرط في إصلاحات جادة تجعل من حرية التعبير ركيزة أساسية لدولة القانون، وإما أن يواصل النهج الحالي القائم على القمع والتضييق، وهو ما سيؤدي لا محالة إلى مزيد من عزلة النظام وفقدانه للشرعية الأخلاقية والسياسية. وبين هذين الخيارين، تبقى أصوات الناشطين المعتقلين وإضراباتهم عن الطعام جرس إنذار متكرر بأن الشعوب لا يمكن إسكاتها إلى الأبد.

رابط دائم : https://dzair.cc/df2b نسخ