في عهد الرئيس تبون.. الجزائر تستعيد دورها الاستراتيجي ومكانتها المحورية في بناء العلاقات الدولية وإعادة تشكيل المنظمات الإقليمية

أحمد عاشور

مع بداية عهدة الرئيس تبون عزمت الجزائر على فتح صفحة جديدة مع جوارها الإقليمي، وطوت بذلك عقدا من الغياب على الساحة الدولية تسبّب في تجميد دورها وتأخير مكانتها التي شغرتها دول أقلّ منها مقدرة بكثير، وطمعت في ملئها دول معادية تكنّ حقدا ظاهرا ودفينا للجزائر.

وفي مسار مساعيه الدؤوبة لإلغاء هذا الوضع غير المناسب لمحورية الجزائر وغير المتناسب مع حجمها في مناطق عدّة من بينها، إفريقيا والمغرب العربي والعالم الإسلامي والمنطقة العربية والبحر الأبيض المتوسط، شرع الرئيس تبون في ترميم ما انهدم من هذه المكانة في العهد البائد، من خلال تصحيح الوضع بإعادة الجزائر إلى الحضن الإفريقي كدولة قائدة وفاعلة لا تنفضُّ الاجتماعات والقمم دون الأخذ برأيها واستشارتها في مسائل قارية وإقليمية وحتى في الشؤون الدولية العويصة.

لقد ساعد مدُّ الجزائر لعلاقات متشعبة وقوية مع أقطاب العالم، على غرار الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، وحتى مع دول وازنة وأخرى مؤثرة كالبرازيل وتركيا وإيران وقطر، على أن تعيد تثمين إمكانياتها الجغرافية والاقتصادية وقدراتها العسكرية في فرض واقع إقليمي جديد، غير ذلك الذي كانت دول تفرضه عليها في السابق وتحاول أخرى فرضه عليها إلى الأبد.

فكما نجحت الجزائر، في عهد الرئيس تبون في استخدام ملف الغاز مع الاتحاد الأوروبي والاستفادة من علاقاته المتأزمة مع روسيا، مورّده الأول، بأن أصبحت رقما صعبا لا غنى للقارة العجوز عنه في إمدادها الآمن والمستمرّ بالغاز الطبيعي، استطاعت أيضا أن تُثبت للولايات المتحدة أنّه لا أمن في المنطقة بدون دور جزائري رائد، فالجزائر التي تملك أقوى جيش في المنطقة وأوسع تجربة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية والتهريب، سوف يكون العالم في أمسّ الحاجة إليها مستقبلا أكثر من أيّ وقت مضى لتعزيز الأمن والاستقرار الضروريان لمصالح هذه الدول.

ورغم محاولات دنيئة تقودها دول شقيقة وأخرى جارة، للأسف الشديد، بالتعاون مع الكيان الصهيوني ومُستعمر الأمس لإبعاد الجزائر وفرض عزلة عليها، بتحييد دورها المستحقّ في منطقة الساحل وداخل الاتحاد الإفريقي، إلّا أن الرئيس تبون لم يفتّ في عضده هذا التآمر والتكالب، بل على العكس، فقد كان ذلك بمثابة حافز له لكي يوسع من علاقات الجزائر مع محيطها الإقليمي ومع الدول الكبرى في العالم، معوّلا في ذلك على الإمكانات الاقتصادية والتنموية للجزائر.

الرئيس تبون أعلن قبل أسابيع قليلة عن عزم الجزائر على إطلاق مشروع ضخم لإنشاء خمس مناطق تبادل حرّ على الحدود مع الجزائر، ما عدا الحدود الشمالية الغربية، بهدف تنشيط المبادلات التجارية مع دول تونس وليبيا ومالي والنيجر وموريتانيا التي شهدت الحدود الجزائرية معها تدشين الرئيسين تبون ونظيره ولد الشيخ الغزواني لمشاريع استراتيجية تنموية، تتزامن مع وضع مشروع غار جبيلات المنجمي الضخم قيد الاستغلال، حيث يُنتظر منها أن تحقق حركية اقتصادية بين البلدين من شأنها رفع وتيرة التنمية بالمناطق الحدودية في البلدين، على غرار معبرين ثابتين ومشروع إنجاز طريق تندوف- الزويرات (موريتانيا).

ومن شأن هذه المشاريع التي أطلقتها الجزائر مع الدول المحاذية لها أن تخلق بيئة آمنة ومستقرة، تساهم في تجفيف منابع الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، فتخفّف بذلك من أعباء الجيش الوطني الشعبي، وتؤدي إلى ترسيخ مكانة الجزائر في عمقها الإقليمي عبر دورها المحوري الذي يتيحه لها موقعها الجغرافي ومحاذاتها لسبع دول مجاورة من خلال حدود جغرافية ممتدة.

وفي هذا السياق، يأتي أول لقاء دوري عُقد أمس الإثنين في تونس، كان قد أطلقه الرئيس تبون مع نظيريه التونسي قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي هنا في الجزائر على هامش قمة الغاز، ليدشّن عهدا جديدا من العلاقات الإقليمية والأخوية الواقعية البعيدة عن أطماع الجارة الغربية وسلوكاتها المعطلة لعمل الاتحاد المغاربي الذي أصبح هيكلا بلا روح، إنه عهد جديد مبشر بالخير العميم سيتسم بالتعاون الحقيقي في جميع المجالات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية حيث سيرفع من المبادلات التجارية بين البلدان الشقيقة الثلاث، والتي ستسهم في تنمية المنطقة الحدودية التي تربط بين الجزائر وتونس وليبيا.

هذه الحركية الدبلوماسية غير المسبوقة التي أرساها الرئيس تبون من المؤكد أنها آلية مهمة في تحقيق وعود طموحة كان قد أطلقها خلال حملته الانتخابية في نهاية 2019، والتي تستهدف بلوغ مؤشرات اقتصادية قياسية في ما يتعلق بالنمو والناتج الوطني الخام وكذلك الدخل الفردي بما ينعكس إيجابا على القدرة الشرائية للمواطن الجزائري ورفاهيته وكذلك على التنمية المحلية، خاصة بالنسبة للولايات الحدودية الجديدة والتي تحتاج إلى دفعة اقتصادية قوية كي تصبح قادرة على تحقيق نمو ذاتي مستدام.

شارك المقال على :