3 سبتمبر، 2025
ANEP الأربعاء 03 سبتمبر 2025

قضية الناشط المغربي فؤاد عبد المومني تكشف انتهاكات المخزن لحرية التعبير والتناقض الصارخ بين النصوص الدستورية والممارسات القمعية

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
قضية الناشط المغربي فؤاد عبد المومني تكشف انتهاكات المخزن لحرية التعبير والتناقض الصارخ بين النصوص الدستورية والممارسات القمعية

منذ سنوات، يعيش المغرب حالة جدل متواصل بشأن حدود حرية التعبير والإعلام، خصوصًا مع تكرار محاكمات الصحفيين والناشطين بسبب آرائهم أو منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن الدستور المغربي لسنة 2011 ينص بوضوح على ضمان حرية الرأي والتعبير، إلا أن الواقع العملي يكشف عن فجوة واسعة بين النصوص القانونية والممارسات الميدانية للسلطات. قضية الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني تمثل مثالًا صارخًا لهذا التناقض، حيث وجد نفسه أمام القضاء لمجرد تعبيره عن موقف سياسي عبر منشور على فيسبوك.

قضية ذات أبعاد سياسية

في الأشهر الأخيرة، حُكم على عبد المومني بغرامة مالية بعد نشره تعليقًا ينتقد السياسة الخارجية للمغرب، وخاصة طريقة تعامل الرباط مع فرنسا في ظل توتر العلاقات الثنائية. ورغم أن تعليقاته لم تتضمن تحريضًا على العنف أو كراهية، إلا أن النيابة العامة وجهت له تهمة “إهانة مؤسسات الدولة” و”نشر أخبار كاذبة”. هذه التهم كثيرًا ما تُستخدم لإسكات الأصوات المعارضة، وهو ما يثير قلق المنظمات الحقوقية المحلية والدولية التي تعتبر أن القضاء أصبح أداة لتصفية الحسابات السياسية أكثر من كونه ضامنًا للعدالة.

تكرار النمط نفسه

ليست هذه المرة الأولى التي يُحاكم فيها ناشط أو صحفي في المغرب بسبب منشور على وسائل التواصل. فقد سبقت قضايا مشابهة استهدفت صحفيين مثل سليمان الريسوني وعمر الراضي، اللذين تحولا إلى رمزين لمعركة حرية التعبير. هذا النمط المتكرر يعكس استراتيجية واضحة تقوم على تطويق المجال العام ومراقبة ما يُكتب ويُنشر، حتى في فضاء افتراضي يُفترض أنه أكثر حرية.

التناقض مع الالتزامات الدولية

المغرب عضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ووقّع على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يضمن حرية الرأي والتعبير. غير أن استمرار الملاحقات القضائية يتناقض مع هذه الالتزامات، مما يضع صورة المغرب الدولية على المحك. تقارير منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و”مراسلون بلا حدود” تؤكد أن القوانين الجنائية تُستعمل على نحو فضفاض لتكميم الأفواه، بدلًا من الاكتفاء بقانون الصحافة والنشر الذي كان يُفترض أن يحد من العقوبات السجنية.

صراع بين جيلين

القضية تكشف أيضًا عن صراع بين جيل جديد يستخدم منصات التواصل للتعبير بحرية وجيل من السلطات اعتاد التحكم في الخطاب العام عبر الإعلام التقليدي. في زمن لم يعد فيه بإمكان الدولة حجب المعلومات، أصبح التضييق يأخذ شكل متابعة قضائية أو حملات تشويه إعلامية. هذا الأسلوب ربما ينجح في تخويف البعض، لكنه يساهم في فقدان الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.

التداعيات السياسية والاجتماعية

على المستوى الداخلي، تثير هذه القضايا حالة من الإحباط بين الشباب المغربي الذي يرى أن شعارات الإصلاح والديمقراطية لا تتجسد في الواقع. أما خارجيًا، فهي تُضعف موقف المغرب في المحافل الدولية، خاصة عندما يطالب بحقوقه الوطنية والإقليمية وهو في الوقت نفسه يُتهم بقمع حرية مواطنيه. المفارقة هنا أن المخزن يسعى لتقديم نفسه كـ”شريك موثوق” للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بينما تقارير المنظمات الحقوقية ترسم صورة مغايرة.

في النهاية، تبقى قضية فؤاد عبد المومني أكثر من مجرد محاكمة فردية؛ إنها مرآة تعكس مأزق الحريات في المغرب، وتضع أمام نظام المخزن خيارين لا ثالث لهما: إما الانخراط في مسار ديمقراطي حقيقي، أو الاستمرار في دائرة القمع التي ستُعمق أزمات الشرعية والثقة.

رابط دائم : https://dzair.cc/ahkz نسخ