في وقتٍ تتواصل فيه الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، اختارت الدولة المغربية، عبر مؤسساتها وحكومتها، أن تصطف في الجهة الخطأ من التاريخ: قمع الأصوات المتضامنة داخليًا، وتعميق علاقاتها مع كيان متهم بارتكاب جرائم حرب دوليًا. هذا ما أكدته بوضوح الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، التي خرجت لتدق ناقوس الخطر أمام ما وصفته بانزلاق خطير للدولة نحو تطبيع شامل، لا يكتفي بالسياسة، بل يمتد إلى التعليم، والاقتصاد، والمجال العسكري.
قمع ممنهج لكل صوت مناهض للتطبيع
الجبهة، خلال ندوة صحافية بالرباط، لم تتحدث عن حالات معزولة، بل عن سياسة قمع ممنهجة تستهدف مناهضي التطبيع، حيث تتعرض التظاهرات السلمية للمنع، ويُلاحق النشطاء قضائيًا، ويُضيَّق على الخطباء الذين يجرؤون على التعبير عن تضامنهم مع غزة.
وسردت الجبهة أسماء معتقلين ومناضلين حُكم عليهم أو ما زالوا خلف القضبان، من بينهم سعيد بوكيوض، عبد الرحمن زنكاض، إسماعيل الغزاوي، بوبكر الونخاري، إضافة إلى رضوان القسطيط ومحمد البوستاتي، فضلًا عن متابعة 12 مناضلًا بسلا. أسماء تُضاف إلى سجلٍّ ثقيل يُظهر كيف تحوّل دعم فلسطين إلى “تهمة” في دولة ترفع شعارات الحرية شكليًا وتدهسها عمليًا.
التطبيع العسكري: المغرب بوابة لعتاد الإبادة
الأخطر في معطيات الجبهة ليس فقط القمع الداخلي، بل الانخراط الفعلي للدولة في دعم آلة الحرب الصهيونية. فقد كشفت الجبهة أن المغرب أصبح ثالث أكبر مورد للأسلحة الإسرائيلية بعد الولايات المتحدة وفرنسا، في فضيحة سياسية وأخلاقية مدوية.
ولم يتوقف الأمر عند الصفقات، بل تعداه إلى مشاركة إسرائيل في مناورات عسكرية داخل التراب المغربي، وتحويل الموانئ المغربية إلى ممرات لعبور العتاد الحربي المتجه إلى الكيان الصهيوني. أرقام الجبهة صادمة:
325 حاوية عسكرية موثقة ما بين نوفمبر 2024 وديسمبر 2025، أغلبها عبر ميناء طنجة المتوسط، في طريقها إلى حيفا وأسدود المحتلتين. هكذا، لم تعد المسألة “تطبيعًا سياسيًا”، بل تورطًا مباشرًا في الإبادة.
تطبيع شامل: من الجامعة إلى السوق
التطبيع لم يَسلم منه حتى الفضاء التربوي والأكاديمي، حيث فُتحت الجامعات المغربية لباحثين من جامعات صهيونية تُعد جزءًا عضويًا من المشروع الاستعماري الإسرائيلي. كما رُصدت مظاهر التطبيع الاقتصادي من خلال مشاركة الكيان الصهيوني في معارض رسمية، واستقبال مسؤولين صهاينة في مؤتمرات دولية فوق التراب المغربي، واستئناف الرحلات الجوية، والمبادلات التجارية، في تحدٍّ سافر لمشاعر الشعب المغربي.
أكثر من ألف احتجاج والمخزن يختار المنع
في مقابل هذا الانخراط الرسمي في التطبيع، كشفَت الجبهة عن حصيلة نضالية استثنائية:
أزيد من 1000 شكل احتجاجي منذ 7 أكتوبر 2023، بينها مسيرات وطنية، ووقفات محلية، وندوات ومبادرات تضامنية. لكن ردّ الدولة كان واضحًا: المنع والتضييق، حيث جرى منع أكثر من 33 تظاهرة، في محاولة يائسة لإسكات الشارع المغربي الذي لا يزال يعتبر فلسطين قضية وطنية.
دولة تقمع شعبها وتصافح جلاده
ما تكشفه معطيات الجبهة المغربية لدعم فلسطين ليس مجرد اختلاف في الرأي، بل اختيار سياسي خطير:
دولة تُضيّق على مواطنيها لأنهم يحتجون على الإبادة، وتُكافئ كيانًا مجرمًا بعقود سلاح وتعاون عسكري وأبواب جامعات وأسواق.
إن المخزن، بسياساته الحالية، لا يقف على الحياد، بل يقف عمليًا في صف القاتل ضد الضحية، ويضع نفسه في مواجهة شعب أثبت، رغم القمع والمنع، أن فلسطين ستظل حية في وجدانه، وأن التطبيع، مهما طال، لن يتحول إلى قدر مقبول.
