كمال داود .. غزة والتظاهرات المشبوهة: حين يكتب من باع وطنه عن شعب لم يفهمه يوماً .. بقلم الإعلامي فاتح بن حمو

نُشر في:

في مقاله المنشور بمجلة Le Point الفرنسية، قدّم كمال داود تظاهرات محدودة خرجت في غزة ضد حركة حماس، على أنها لحظة تحرر من “السردية” التقليدية، وعبّر عن ارتياحه لرؤية فلسطينيين يقولون “لا” لحماس، معتبراً ذلك تحدياً لليسار الغربي والنخب العربية التي – حسب قوله – لا تتقبل الفلسطيني إلا حين يكون ميتاً أو صامتاً.

هذا الخطاب، الذي يدّعي الجرأة، لا ينفصل عن المسار الذي اختاره داود منذ سنوات: مثقف “فرنكوفوني” بنَفَس استعراضي، كرّس قلمه لا لطرح قضايا الشعوب المغاربية والعربية، بل لتقديمها بعيون ترضي الذوق الثقافي الفرنسي المحافظ.

فمن كاتب روائي ينطلق من أسئلة محلية، تحوّل داود إلى ضيف دائم على موائد النخبة الفرنسية، يوقّع مقالات تهاجم الدين، وتشكك في المقاومة، وتعيد إنتاج صورة العربي “المتخلف” الذي يحتاج لإعادة تربية على يد الغرب “المتنور”.

لكن ما فعله في مقاله الأخير ليس سوى خطوة إضافية في هذا المسار، إذ لم يرَ في التظاهرات سوى مناسبة لتصفية حساب ثقافي مع ما يسميه “الدراما الفلسطينية”، متناسياً أن غزة اليوم تحت قصف يومي، وأن الآلاف يُقتلون أو يُدفنون تحت الأنقاض، تجاهل داود هذه الحقائق، وراح يروّج لفكرة أن الفلسطينيين لم يعد يُسمح لهم بالحياة إلا إذا عارضوا حماس، وكأن الصراع مع الاحتلال مجرد مشهد ثانوي في روايته.

من الغفلة – أو السذاجة – التعامل مع تلك التظاهرات كأنها فعل شعبي حرّ، فالمعلومات المتقاطعة والقرائن الميدانية تشير إلى أن هذه التحركات المحدودة لم تكن عفوية، بل تقف وراءها مجموعات صغيرة مدفوعة، بعضها على ارتباط مباشر بأجهزة الاحتلال. والسؤال المنطقي: من الذي يملك ترف التظاهر في لحظة يُقصف فيها كل حيّ، وتُرتكب فيها مجازر يومية؟ وكيف نفسر تبني الإعلام الإسرائيلي لهذه “الاحتجاجات” بوصفها مؤشراً على تآكل دعم حماس؟

الجواب واضح: هناك من يريد أن يُظهر الفلسطيني وكأنه ثائر ضد حركته، لا ضد محتله، وهناك من يستخدم هذه اللحظة لتبرير الاجتياح، والحصار، ومخططات ما بعد الحرب. وهنا الخطر الأكبر: أن تتحول تظاهرة صغيرة إلى أداة لشرعنة مشروع صهيوني طويل الأمد، هدفه نزع الشرعية عن كل شكل من أشكال المقاومة، وإعادة صياغة غزة وفق هوى الاحتلال.

ختامًا، إن شعب غزة – كما كل الفلسطينيين – لا يحتاج لمن يصفق له إن عارض حماس، ولا لمن يخوّنه إن دعمها، بل إلى من يفهم معاناته في سياقها الكامل: الاحتلال، الحصار، الانقسام، وتخاذل العالم. أما كمال داود، الذي اختار أن يكتب عنهم من ضواحي باريس، فقد أصبح جزءًا من ماكينة لا تسمع إلا ما يرضي الأسياد.

بقلم: فاتح بن حمو

اقرأ أيضًا