السبت 27 ديسمبر 2025

كلمة الوزير الأول بمناسبة إشرافه على افتتاح الملتقى الوطني حول الأمن القانوني وأثره على التنمية الاقتصادية

نُشر في:
بقلم:
كلمة الوزير الأول بمناسبة إشرافه على افتتاح الملتقى الوطني حول الأمن القانوني وأثره على التنمية الاقتصادية

أشرف اليوم، الوزير الأول سيفي غريب على افتتاح الملتقى الوطني حول الأمن القانوني وأثره على التنمية الاقتصادية.

وبالمناسبة، ألقى الوزير الأول كلمة في التالي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

يسعدني أن أتواجد بينكم اليوم في رحاب هذا الحدث الهام، وأن أشارككم فعاليات هذا الملتقى الذي يتناول بالدراسة مسألة «الأمن القانوني وأثره على التنمية الاقتصادية»، والذي ينعقد تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الذي يولي أهمية بالغة لهذا الموضوع. حيث أكد عليه في العديد من المناسبات، باعتباره يعكس رؤيته السديدة وعزم الجزائر على وضع بينة قانونية آمنة ومستقرة، تسهل وتشجع الاستثمار والمبادرة والابتكار، بما يسهم في ترقية الاقتصاد الوطني، وتعزيز مكانة الجزائر كبوابة رائدة لإفريقيا ومركز موثوق اقتصاديا وآمنا قانونيا، ويكرس ثلاثية مبادئ الشفافية والمساءلة والنزاهة.

السيدات الفضليات السادة الأفاضل؛
زيادة عن التكريس الدستوري لحرية التجارة والاستثمار والمقاولة، ومبدأ الأمن القانوني، والإصلاحات التشريعية العميقة التي أمر بها السيد رئيس الجمهورية، والتي تم تجسيدها فعليا، لاسيما من خلال مراجعة المنظومة القانونية والمؤسساتية للاستثمار واستغلال وتثمين العقار الاقتصادي وإصلاح المنظومة البنكية والمصرفية وكذا قانون الصفقات العمومية، وضع السيد رئيس الجمهورية المسير (Le gestionnaire) في صلب اهتماماته، باعتباره أحد أهم ركائز الحركية التنموية، حيث أمر منذ البداية بالعمل على “رفع التجريم عن فعل التسيير” وأكد صراحة في برنامجه على ضرورة “تكريس سياسة حماية إطارات الدولة النزهاء الممارسين لفعل التسيير”.

إن هذه الرؤية السديدة تهدف لجعل الجزائر نموذجا في الربط بين المعرفة والابتكار، والقانون والتنمية، وإزالة كل الفوارق بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز التكامل بينهما، لخلق بيئة محفزة لريادة الأعمال والاستثمار، ترتكز على الشفافية والكفاءة والتنافسية.
وما تنظيم هذا الملتقى إلا محطة من محطات المساعي التشاركية التي نقوم بها جميعا للتجسيد الفعلي لهذه الرؤية المتبصرة، فلا يسعني بذلك إلا أن أجدد شكري لوزارة العدل، التي عملت للتحضير لهذا الحدث الهام، والشكر موصول كذلك إلى منظمة محامي الجزائر العاصمة، والإتحاد الوطني للمقاولين العموميين (UNEP) ومجلس التجديد الاقتصادي الجزائري (CREA)، المشاركين في تنظيمه، وهو ما يترجم إيماننا بأن التجسيد الفعلى للأمن القانوني، يقتضي مساهمة كل الفاعلين دون استثناء.

السيدات الفضليات السادة الأفاضل؛
إن الاقتصاد العالمي يعرف تحولات عميقة تفرض تنافسية حادة، وتسارعا غير مسبوق في أنماط الإنتاج والاستثمار، تحتم على الدول إعادة بناء مقارباتها التنموية على أسس تزاوج بين النجاعة الاقتصادية والضمانات القانونية، وبين المرونة المؤسساتية والاستقرار التشريعي.
ومن هذا المنطلق، يبرز الأمن القانوني لا كعنصر مكمل للتنمية، بل كشرط بنيوي لقيامها واستدامتها. فالتنمية الاقتصادية الحقيقية يجب أن تؤسس في بينة يسودها الوضوح والشفافية والإطمثنان، وأن تدار فيها المبادرة الاقتصادية في مناخ يتسم بالتوقع الإيجابي، إذ لا استثمار دون ثقة، ولا ثقة دون قانون واضح، ولا قانونا فعالا دون قضاء مستقل، متخصص، واستباقي.

وعيا بكل هذه التحولات والتحديات، أرسى السيد رئيس الجمهورية قواعد الأمن القانوني، وعزز الإطار التشريعي والمؤسساتي، بما يضمن لكل مستثمر ولكل مبادرة اقتصادية أن تنطلق وتزدهر في بينة آمنة وعادلة، تعمل على تشجيع الابتكار وتحفيز الإنتاجية، وتضمن السرعة في اتخاذ القرار، وتفتح الآفاق أمام مشاريع ترفع من مراتب الاقتصاد الوطني وتؤكد مكانة الجزائر اقتصاديا على المستويين القاري والدولي.
وفي ضوء تعزيز الأمن القانوني، تتجلى أهمية تأمين فعل التسبير بشكل دقيق وواضح، بما يمنح المسير كل الضمانات ويسمح بتحريره، من أجل تجسيد المبادرات وتحويلها إلى مشاريع ناجحة ومنتجة.

وفي هذا الإطار، تصطلع المنظومة القانونية والقضائية بدور محوري يتجاوز وظيفة الفصل في النزاعات، إلى وظيفة أشمل، تتمثل في توفير الطمأنينة القانونية، وحماية المبادرة، وضمان استمرارية النشاط الاقتصادي، بما يجعل العدالة شريكا فعليا في البناء التنموي، لا مجرد آلية تصحيح بعدية للاختلالات، وهي إحدى ثمار الإصلاحات الشاملة التي عرفها قطاع العدالة، تعزيزا لاستقلالية القضاء وتحديثا لمناهج عمله وتحسينا لمستوى نجاعته.

السيدات الفضليات السادة الأفاضل؛
إن من الثوابت الأساسية للأمن القانوني التي عملت الدولة على إرسائها هي أن تبنى القواعد القانونية على مبدأ الوضوح والتناسق وقابلية التوقع واستقرار التطبيق، مع تجنب أي تغيير متكرر قد يؤثر سلبا على سيرورة النشاط الاقتصادي، وضمان احترام مبدأ عدم رجعية القوانين، والعمل في نفس الوقت على التقييم الدائم لمدى نجاعة النصوص القانونية بعد دخولها حيز التنفيد.
وقد حرصت الحكومة في هذا المجال على ضمان انسجام السياسات، وتكامل النصوص، لاسيما من خلال توسيع الاستشارات عند إعدادها إلى كل الفاعلين والتكفل بانشغالاتهم واقتراحاتهم على أحسن وجه، في إطار مقاربة تشاركية للوصول إلى نصوص توافقية، تضمن تناسق المنظومة القانونية مع السياسات الاقتصادية والمالية للدولة.

وفي هذا الإطار، أخذت مسألة تكريس الأمن القانوني وحماية المسيرين حيزا هاما من هذه الإصلاحات التشريعية، حيث تمت مراجعة قانون العقوبات، سنة 2024، بإدراج معايير موضوعية جد مضبوطة لتعريف وحصر أفعال التسيير التي قد تخالف القوانين والأنظمة أو قواعد الأمن، ويعاقب عليها القانون. أكثر من ذلك، تضمن هذا التعديل لقانون العقوبات إدراج أحكام تجرم وتعاقب بشدة كل فعل من شأنه عرقلة الاستثمار أو المساس به.

من جهة أخرى، تضمن قانون الإجراءات الجزائية الجديد، الصادر في شهر أوت من السنة الجارية 2025، تكريس مبدأ عدم تحريك الدعوى العمومية ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية، إلا بناء على شكوى مسبقة من الهيئات الاجتماعية لهذه المؤسسات، وهي كلها تدابير تترجم الإرادة القوية للدولة لحماية المسيرين في حالة ارتكاب أخطاء التسيير ومن كل الممارسات التي قد يتعرضون لها، والمؤدية لعرقلة مبادراتهم الاستثمارية. وسيتم تعزيز هذه الإصلاحات التشريعية من خلال المراجعة العميقة للقانون التجاري، التي يجري العمل عليها حاليا، قصد تكييفه مع هذه التحولات.

إن هذه النظرة الجديدة التي جاء بها السيد رئيس الجمهورية تراعي خصوصيات الفعل الاقتصادي، وتواكب التحولات التي يشهدها الاقتصاد الوطني، لاسيما في ظل الحركية الكبيرة التي أرساها، من خلال المشاريع الكبرى والمهيكلة الجاري إنجازها في مجالات متعددة، تعزيزا للسيادة الاقتصادية وحماية للمصلحة الوطنية.

السيدات الفضليات السادة الأفاضل؛
إن هذا التكامل بين المجالات القانونية والقضائية، من جهة، والاقتصادية والاستثمارية، والمقاولاتية، من جهة أخرى، فضلا عن مسار التحول الرقمي الذي يرافق كل هذه الإصلاحات، لا يعبر عن خيار تقني فقط، بل عن مشروع دولة تسعى إلى بناء اقتصاد قوي، تنافسي، منتج، ومندمج، قوامه الثقة، وأساسه القانون، الذي يحمي ويرافق العمل النزيه، ويشجع النمو الاقتصادي وحرية المبادرة.

في الختام، نأمل أن تكون فعاليات هذا الملتقى فرصة مواتية لصياغة توصيات عملية، تسهم في دعم المسار المعتمد نحو تعزيز الأمن القانوني وحماية المسيرين، وتشجيع الفعل الاستثماري، بفضل المساهمة القيمة المنتظرة من مختلف الفاعلين المشاركين، من خبراء قانونيين واقتصاديين ومحامين وأسائدة جامعيين ومتعاملين اقتصاديين ورواد أعمال.

كما أؤكد لكم استعداد السلطات العمومية للتكفل بكل ما ترونه مناسبا من تدابير من شأنها أن تعزز الأمن القانوني وإسهامه في التنمية الاقتصادية لبلادنا، وتوفر الضمانات المثلى لتشجيع المبادرات الاقتصادية وحماية المسيرين.

وأعلن عن الافتتاح الرسمي لفعاليات هذا الملتقى الوطني، متمنيا لكم التوفيق والنجاح في أشغالكم.
أشكركم على كرم الإصغاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

رابط دائم : https://dzair.cc/of68 نسخ

اقرأ أيضًا

×
Publicité ANEP
ANEP PN2500022