الاثنين 07 جويلية 2025

كواليس احتدام الصراع حول السلطة والنفوذ داخل عائلة آل نهيان ومن يبسط سيطرته على دويلة الإمارات

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
كواليس احتدام الصراع حول السلطة والنفوذ داخل عائلة آل نهيان ومن يبسط سيطرته على دويلة الإمارات

من يتابع الوضع الإماراتي بدقة يدرك أن الأحداث خلف أسوار قصور أبوظبي تتجاوز الأزمات الخارجية مثل السودان وليبيا أو حتى الملفات الاستثمارية المثيرة للجدل. جوهر المسألة يكمن في تصاعد حدة التنافس على السلطة والنفوذ داخل العائلة الحاكمة، آل نهيان.

في أعماق هذه العائلة، يدور صراع مكتوم لكنه محتدم على القيادة والسيطرة، وقد أخذ في الآونة الأخيرة منحىً أكثر علنية وحدة، وفقًا لمصادر مطلعة. آخر فصول هذا الصراع جاء عبر تقرير صحيفة نيويورك تايمز الذي ركز بشكل لافت على دور منصور بن زايد في قضايا مالية وسياسية شائكة، ما أعاد الرجل إلى دائرة الاتهام محليًا ودوليًا وفتح الباب أمام تساؤلات تمس المستقبل السياسي: من سيعتلي عرش أبوظبي عند الانتقال؟

داخل القصر، يغيب الثقة بين الأطراف، لكن إجماعًا واحدًا يسود: “الكرسي لا يتسع إلا لشخص واحد”. ومع اشتداد تدخلات القوى الخارجية أو تراجع الصورة المثالية للدولة، تتسارع محاولات ترتيب الوضع الداخلي عبر الحد من تأثير المنافسين المحتملين، أو حتى تشويه سمعتهم تحضيرًا لإقصائهم.

منصور بن زايد: الهدف الأسهل

الاستهداف الإعلامي الممنهج الذي تعرض له منصور بن زايد عبر الصحافة الأميركية ليس مجرد حادثة عرضية أو نتاج تحقيق مستقل. من يعرف تركيبة الحكم في أبوظبي يدرك أن القضية تتجاوز تورطه في أزمات السودان أو ليبيا وحتى مسألة الصندوق الماليزي (1MDB). تسليط الضوء على منصور بهذا الشكل وفي لحظة حساسة يشير إلى وجود توجه لتصفية طريق مشروع توريث الحكم.

ففي الإمارات، هناك قاعدة غير معلنة مفادها أن استهداف أفراد معينين من أبناء زايد هو جزء من عملية تمهيد الطريق لولاية العهد لابن الرئيس الحالي، محمد بن زايد، وهو خالد بن محمد الذي أعلن وليًا للعهد في مارس 2023.

منصور، الذي سعى طويلاً لتقديم نفسه كرجل المال والرياضة والاستثمار بعيدًا عن الأضواء السياسية الساخنة، أصبح فجأة محاصرًا بسلسلة من القضايا المزعجة التي أثرت على سمعته داخليًا وخارجيًا. ورغم كل ما بذله للحفاظ على صورته كبديل مناسب في لحظات عدم الاستقرار، باتت حملات الاستهداف الأخيرة تجعل منه الحلقة الأضعف والأكثر قابلية للتضحية.

طحنون بن زايد: الوريث المؤجل

الصراع على العرش لا ينحصر فقط في منصور بن زايد. طحنون بن زايد، شقيق الرئيس، يبرز كمرشح قوي ورجل جمع أوراق قوة كبيرة بين يديه، بدءًا من السيطرة على ملف الأمن، إلى السيادة الرقمية، وصولاً إلى الإشراف على الاستثمارات السيادية التي أصبحت أداة استراتيجية عالمية للإمارات.

سعى طحنون لترسيخ نفسه كوريث يمكنه ضمان الاستقرار بعد رحيل شقيقه. لكنه واجه تحديات سياسية قوية بعد تورطه (أو ربما توريطه) في قضايا حساسة مثل فضائح التجسس الإلكتروني وبرامج مثل بيغاسوس، إضافة إلى صفقات تكنولوجية مع واشنطن التي أغضبت الحلفاء الغربيين ووضعت أبوظبي في موقف محرج.

ورغم ما يبدو من تضاؤل فرصه بسبب تلك الملفات الشائكة، لا يزال طحنون يمسك بأدواته وهو مرشح محتمل في المعركة الكبرى على الحكم. إلا أن التعامل معه يتطلب استراتيجية أوسع وأعمق تتجاوز الحملات الإعلامية المباشرة، لكونه لاعبًا معقدًا بحاجة لإعادة صياغة التوازنات الأمنية والسياسية.

في الوقت الحالي، فضل طحنون التخلي عن الأضواء واتخذ نهجًا تكتيكيًا يعتمد على الانسحاب لإعادة التمركز بهدوء. بانتظار اللحظة المناسبة للعودة إلى الساحة السياسية إذا ما تهيأت الظروف لصالحه.

خالد بن محمد: الشاب الذي يُعيد تشكيل ملامح الدولة

منذ تولي خالد بن محمد منصب ولي العهد، تغيّرت موازين القوى داخل القصر الحاكم؛ حيث لم تعد قائمة على روابط الدم أو الإرث التاريخي، ولا على توزيع المناصب بين أفراد الأسرة، بل صار المعيار الرئيسي: من يستطيع ضمان الاستقرار عند انتقال السلطة؟

ولتحقيق هذا الهدف، بدأ محمد بن زايد بإعادة ترتيب أوراق الأسرة الحاكمة وتثبيت قبضة أمنية مُحكمة لتأمين وصول ابنه إلى الحكم بلا أي مفاجآت غير محسوبة.

في هذا السياق، تُرك خالد يتسلم زمام الأجهزة الأمنية تدريجياً، فيما تم تقليص دور طحنون بن زايد في ملفات حيوية بطريقة هادئة. بالتوازي، تركزت جهود إعادة تقديم صورة الإمارات إعلاميًا لتُبرزها كدولة يقودها رئيس شاب، نظيف اليدين، وبعيد عن أي تاريخ دموي أو صراعات داخلية.

لكن عملية انتقال السلطة في أبوظبي لا تُختصر بمرسوم رسمي أو إعلان بسيط؛ فهي تتطلب إزالة أي منافس محتمل داخل الأسرة. وهنا تُصبح أدوات مثل الحملات الإعلامية المُوجهة، التسريبات المدروسة، الضغط الأميركي، وفتح الملفات القديمة في توقيت محسوب عوامل حاسمة في هذه العملية.

الإعلام الدولي وعلى رأسه الصحف الأميركية الكبرى تحوّل إلى سلاح فعّال في لعبة الصراع الداخلي. عندما تتصدر شخصية ما العناوين في وسائل مثل “نيويورك تايمز” أو “وول ستريت جورنال”، الرسالة المباشرة غالبًا ليست مجرد كشف للرأي العام، بل مؤشر داخلي وخارجي يقول: هذا الشخص أصبح خارج المعادلة أو في طريقه إلى التهميش.

منصور بن زايد: بداية المواجهة وليس نهايتها

الهجوم الإعلامي الأخير الذي استهدف منصور بن زايد لم يكن إلا الخطوة الأولى في فصل جديد من المنافسة الطويلة داخل الأسرة الحاكمة. تشويه صورته إعلاميًا قد يكون مدخلاً لإزاحته سياسيًا عبر تقليص صلاحياته أو الحد من نفوذه المالي وحتى عزله اجتماعيًا.

في نظام سياسي مثل أبوظبي، لا يُسمح لأحد بالبقاء خارج دائرة التأثير دون تكلفة، ولا يُعطى المجال لأي فرد للاحتفاظ بأوراق قوة مستقلة قد تُشكل خطراً على الاستقرار السياسي.

ومع ذلك، ما زالت الحرب مفتوحة وغير محسومة. طحنون بن زايد، بشبكته الواسعة من النفوذ الأمني والمالي، يبقى خصمًا يصعب تجاوزه. رغم بقائه في الظل، يستمر في مراقبة المشهد وترتيب أوراقه تحسبًا لأي اضطراب محتمل قد يُعيد تشكيل موازين القوى لصالحه بدلًا من خالد بن محمد.

فالاعتقاد السائد بين طحنون وبعض أفراد الأسرة هو أن خالد ينقصه الخبرة اللازمة، وأن الدولة بحاجة إلى قائد قوي وليس مجرد صورة شابة تُعرض للعالم.

في أبوظبي اليوم، معركة العرش لم تعد أحاديث هامشية تُنقل في المجالس المُغلقة؛ بل أصبحت عنوانًا متكرراً على صدر الصحافة الدولية. كل تقرير مسرب وكل وثيقة منشورة تكشف فصلًا جديدًا من الصراع القائم بين الإخوة وابن محمد بن زايد، في سباق للوصول إلى قمة السلطة عند اللحظة المصيرية.

ومع استمرار هذا المشهد المضطرب، تبقى الإمارات محكومة بمعادلة حساسة تقول: الثقة معدومة بين اللاعبين الرئيسيين، والكرسي لا يتسع إلا لشخص واحد فقط.

رابط دائم : https://dzair.cc/bki8 نسخ