الأربعاء 25 جوان 2025

كيف تستغل دويلة الإمارات الفوضى في نهب الذهب السوداني؟

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
كيف تستغل دويلة الإمارات الفوضى في نهب الذهب السوداني؟

وسط حالة الحرب الأهلية والفوضى العارمة التي تعصف بالسودان، تبدو دولة الإمارات في صدارة المشهد، ليس كطرف بعيد، بل كواحدة من أبرز المستفيدين من تدهور الأوضاع هناك. يبرز ذلك بشكل خاص من خلال استغلالها لملف الذهب، الذي أصبح مصدرًا حيويًا يُسهم في تمويل أطراف النزاع، في ظل تصاعد الاتهامات الموجهة لأبو ظبي باستغلال حالة الانهيار الأمني والمؤسسي في السودان لنهب موارده على نطاق واسع.

تقارير معتمدة، مثل التي نشرتها صحيفة “فايننشال تايمز”، أوضحت أن أكثر من نصف الذهب المنتج في السودان يتم تهريبه إلى الخارج. وتتصدر الإمارات وروسيا قائمة الدول المستقبلة للذهب السوداني المهرب. هذا التهريب لا يقتصر على التجارة فقط، بل يُستغل في تمويل الاقتتال المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما يخلق دائرة مفرغة من الصراع تغذيها أطراف إقليمية ترى في مأساة السودان فرصة ذهبية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.

بحسب تقديرات منظمة سويس إيد، بلغ إنتاج السودان من الذهب العام الماضي نحو 80 طنًا، بقيمة تجاوزت ستة مليارات دولار، ما يضعه بين أكبر منتجي الذهب في أفريقيا. اللافت أن الحرب لم توقف إنتاج الذهب؛ بل على العكس، ساهمت زيادة عدد عمال المناجم التقليديين واستمرار توريد المواد الكيميائية اللازمة للتعدين، مثل سيانيد الصوديوم، في الحفاظ على معدلات الإنتاج المرتفعة. هذا الوضع يعكس تناقضًا مؤلمًا: الحرب التي تعصف بالبشر والحجر تُبقي عجلة استخراج الذهب دائرة لتمويل المزيد من الفوضى.

دور الإمارات في شبكات التهريب لا يقتصر فقط على كونها مستوردًا رئيسيًا للذهب السوداني، بل يتجاوز ذلك لتلعب دورًا محوريًا في تسهيل العمليات اللوجستية لهذا التهريب. ساشا ليجنيف، كبيرة مستشاري السياسات في منظمة “ذا سنتري”، أكدت أن أغلب الذهب السوداني المهرب يتجه للإمارات بفضل شراكاتها مع شبكات تجارية وشركات وسيطة ترتبط بمصالح مباشرة مع أطراف النزاع السوداني، سواء المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش أو شركة “الجنيد القابضة”، الذراع الاقتصادية لعائلة حميدتي.

رغم العقوبات التي فرضتها واشنطن على “الجنيد” منذ عام 2023، إلا أن استخراج الذهب وتصديره من مناطق سيطرتها لم يتوقف. ويُظهر تحليل السجلات التجارية أن شركات من الصين والإمارات وألمانيا قامت بشحن مواد كيميائية مثل سيانيد الصوديوم إلى السودان خلال العامين الماضيين، ما يشير إلى استمرار الإمدادات اللوجستية رغم الحرب والعقوبات.

بحسب وزارة التعدين السودانية، يشكل قطاع التعدين نحو 60% من عائدات التصدير في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني، مما يوضح أهمية الذهب باعتباره المورد الاستراتيجي الذي يغذي أطراف النزاع. في المقابل، تزداد المخاوف العالمية بشأن استمرار تدفق هذه المواد الكيميائية الضرورية للتعدين وغياب الرقابة على سلاسل التوريد. مركز الأبحاث الأميركي C4ADS دعا إلى فرض عقوبات مباشرة على شبكات توريد المواد الكيميائية للتعدين كونها تمثل شريان حياة للأطراف المتقاتلة.

ضمن هذا المشهد، تظهر الإمارات كلاعب قوي ليس فقط بتحقيق الأرباح من الذهب السوداني المهرب، بل بتكريس نفوذها الإقليمي عبر شبكات متداخلة من الشركات المتمركزة في دبي، التي تُتيح تسييل الذهب القادم من مناطق النزاعات وبيعه بالأسواق العالمية. هذه العمليات تُشبه إلى حد كبير “غسل الأموال”، ما يمكن وصفه بـ “غسل الذهب”. وكل ذلك يجري في ظل غياب التدخل الدولي الحاسم لوقف هذه الانتهاكات.

الإمارات انتهجت استراتيجية مماثلة في دول أخرى مثل ليبيا واليمن، حيث كانت تقارير دولية قد وثّقت استثمارها في الفوضى الداخلية لاستغلال الموارد وبسط الهيمنة. في السودان تحديدًا، يرى محللون أن جذور أزمة تهريب الذهب تمتد لما قبل الحرب الحالية. أحمد سليمان، الباحث في مركز تشاتام هاوس، يرى أن هذه الشبكات ليست وليدة الصراع الأخير، بل هي امتداد لمنظومة عسكرية اقتصادية كانت قائمة منذ سنوات طويلة وتفاقمت مع انهيار قطاعات الاقتصاد الأخرى ودخول رجال أعمال مقربين من طرفي النزاع.

تعمق جذور الأزمة واتساع الفساد

يشير الباحث السوداني أحمد سليمان من مركز تشاتام هاوس إلى أن شبكات تهريب الذهب لم تكن نتيجة مباشرة لنشوب الحرب، بل هي امتداد لمنظومة اقتصادية-عسكرية متجذرة سبقت النزاع، وازدادت انتشارًا بعد دخول رجال أعمال ذوي صلة بطرفي الصراع، حيث سعوا لسد الفراغ الناتج عن انهيار قطاعات اقتصادية أخرى في السودان.

وأوضح أن أي معالجة دولية للأزمة يجب أن تركز على تفكيك هذه الشبكات المعقدة بدلاً من الاكتفاء بالتعامل مع العواقب الظاهرة للحرب.

وفي ظل غياب تفاعل فعّال من المجتمع الدولي والصمت الإقليمي، يستمر استنزاف ثروات السودان، وعلى رأسها الذهب، عبر منظومات تتكامل مصالحها مع قوى إقليمية مثل الإمارات. وبدلًا من قيام أبوظبي بدور الوسيط لتحقيق الاستقرار، تشير الوقائع إلى انحيازها لتحقيق مصالحها الذاتية من خلال دعم حالة الفوضى الراهنة وتحويل السودان إلى مصدر خام للموارد والثروات.

ويرى مراقبون أن السبيل الوحيد لكبح جماح هذه الجرائم العابرة للحدود، التي تطيل معاناة شعب بأكمله من أجل أطماع في الذهب، يكمن في ربط تلك المصالح بسياسات ضغط سياسي واقتصادي فعّالة.

رابط دائم : https://dzair.cc/0wck نسخ