25 أكتوبر، 2025
ANEP السبت 25 أكتوبر 2025

لماذا تُعَدّ روسيا مفتاح “سلام ترامب” في الصحراء الغربية؟

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
لماذا تُعَدّ روسيا مفتاح “سلام ترامب” في الصحراء الغربية؟

في مشهدٍ دبلوماسيّ متشابك يمتدّ من ضفاف الأطلسي إلى قاعات مجلس الأمن، يعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى واجهة المشهد الدولي، متباهياً بما يصفه بـ“الإنجازات الدبلوماسية الكبرى”، ومقدِّماً مشروع “السلام في الصحراء الغربية” بوصفه خطوةً لإنهاء نزاعٍ دام نصف قرن. غير أن هذا “السلام الموعود” لا يقوم على الإرادة الحرة للشعب الصحراوي، بل على مقايضاتٍ سياسية تُدار في كواليس القوى الكبرى.

فمشروع القرار الأمريكي، كما تكشفه مسودّاته المتداولة في نيويورك، يسعى إلى دفن مبدأ تقرير المصير واستبداله بفكرة “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”، في محاولة لإضفاء طابع قانوني على الأمر الواقع الذي فرضته الرباط بالقوة الغربية. ويقترح المشروع أيضاً إعادة هيكلة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، لتحويلها من هيئةٍ مكلفة بتنظيم الاستفتاء إلى بعثةٍ تُشرف على تنفيذ الخطة المغربية المزعومة.

بهذا المعنى، يبدو أن واشنطن تريد “سلاماً على المقاس”، لا يتأسّس على الشرعية الدولية، بل على ميزان النفوذ والمصالح. فهي تبحث عن انتصارٍ رمزيّ يعيد لترامب صورة “صانع السلام العالمي”، وتستغلّ الفراغ الأوروبي وانشغال العالم بأزمات أوكرانيا وغزة، لتعيد رسم خريطة النفوذ في شمال إفريقيا.

لكن بين هذه الطموحات الأمريكية وواقع الصحراء الغربية يقف الفيتو الروسي كصخرةٍ صلبة قد تُسقط هذا المشروع في مهدِه. فروسيا، التي تتولّى هذا الشهر رئاسة مجلس الأمن، تملك الكلمة الفصل في مصير القرار الأمريكي، سواء عبر تأييده أو تعطيله أو الامتناع عنه.

وقد عبّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن موقف موسكو بوضوح في مؤتمرٍ صحفيّ أخير، حين قال إن “قضية الصحراء الغربية يجب أن تُحل وفقاً لإرادة الشعب الذي يعيش هناك، وضمن قرارات الأمم المتحدة”. وأضاف مؤكداً أن “أي حلّ لا يحظى بقبول جميع الأطراف المعنية سيكون فاقداً للشرعية”. وهو تصريحٌ يُعبّر عن تمسّك روسيا بمبدأ التسوية السياسية المتوازنة، ورفضها للانحياز الأمريكي-المغربي الذي يتجاهل حقوق الشعب الصحراوي في الاستقلال وتقرير المصير.

ومع ذلك، تتحرّك موسكو بحذرٍ واضح، فهي لا ترغب في خسارة علاقاتها المتينة مع الجزائر، شريكها الإستراتيجي في مجال الطاقة والتسلّح، ولا تريد في الوقت نفسه قطع خيوط التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة. ولذلك فهي تعتمد سياسة “التوازن الدقيق”: لا تأييد مطلق لخطة ترامب ولا وفض صريح لها، بل تمسّك بموقفٍ قانوني يتيح لها هامش المناورة والحفاظ على نفوذها في المنطقة.

ويرى عددٌ من المحللين أن روسيا، على الأرجح، ستختار الامتناع عن التصويت على القرار بدلاً من استعمال الفيتو، وهو ما يمنحها موقع الوسيط الحيادي ويحافظ على صورتها كقوةٍ مسؤولة لا تنجرّ وراء التصعيد. غير أن هذا الموقف، حتى وإن بدا حيادياً، سيُعدّ عملياً صفعةً لواشنطن التي كانت تراهن على دعمٍ روسي ضمني لتمرير مشروعها.

وفي خلفية هذا المشهد، تتبدّى المأساة الحقيقية: شعبٌ يعيش منذ نصف قرن في المنفى والمخيمات، ينتظر تنفيذ وعودٍ أطلقتها الأمم المتحدة منذ 1991 بإجراء استفتاءٍ لتقرير المصير، لكن القوى الكبرى تواصل العبث بمصيره وتستخدم قضيته كورقة مساومة في صراع النفوذ العالمي.

إنّ ما تسعى إليه إدارة ترامب وحلفاؤها ليس سلاماً حقيقياً، بل تسويةً قسرية تُشرعن الاحتلال وتغتال العدالة باسم “الواقعية السياسية”. أما روسيا، فرغم تردّدها، فإنّ تمسّكها بمرجعية الأمم المتحدة يمنحها اليوم دور “الضامن الأخير” لعدم تمرير هذا الانحراف التاريخي.

وفي النهاية، قد تختصر القصة كلّها في سؤالٍ واحد: هل يُمكن أن يُبنى السلام على إنكار حقّ الشعوب؟
الإجابة واضحة لكل من لم يبع ضميره: لا سلامَ في الصحراء الغربية من دون تقرير المصير، ولا شرعية لأيّ “صفقة” تُصاغ في واشنطن أو الرباط وتتجاهل صوت الشعب الصحراوي الذي ما زال يقاوم رغم النسيان والتواطؤ الدولي.

رابط دائم : https://dzair.cc/2rfd نسخ