19 سبتمبر، 2025
ANEP الجمعة 19 سبتمبر 2025

ماكرون وبريجيت يلجآن إلى القضاء الأميركي لإثبات أنوثتها: الأدلة الفوتوغرافية والعلمية على الطاولة

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
ماكرون وبريجيت يلجآن إلى القضاء الأميركي لإثبات أنوثتها: الأدلة الفوتوغرافية والعلمية على الطاولة

قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت خوض مواجهة قانونية علنية في محكمة أميركية بعد أن خرجت على وسائل التواصل وشاشات اليمين المتطرّف في الولايات المتحدة مزاعم صادمة تفيد بأن بريجيت «وُلدت رجلاً». الزوجان رفعا دعوى تشهير قضت بتعويضات وبإدانة الناشرين في فرنسا العام الماضي، لكن القرار الاستئنافي عُكِس، فاختارا هذه المرّة متّجهين إلى محكمة في ولاية ديلاوير وبلغة مختلفة: تقديم «أدلة فوتوغرافية وعلمية» لإسكات الشائعات وإثبات الحقيقة أمام هيئة محلفين.

لم تعد القضية مجرد مواجهة شخصية بين عائلة رئاسية ومؤثر رقمي؛ بل تحوّلت إلى اختبار حول حدود حرية التعبير في أميركا، وإلى درس عمليّ في كيفية مواجهة موجات التضليل الحديث. المتهم الأساسي في الملف هو المعلّقة المحافظة الأميركية كانداس أوينز، التي كرّرت على منصّاتها شهادات و«تحقيقات» مزعومة وخصّصت سلسلة بودكاست طويلة للموضوع تحت عنوان أثار ضجة واسعة داخل جمهورها. الدعوى الأميركية تتّهم أوينز بأنها لم تنشر مجرد رأي بل عمدت إلى تضخيم أكاذيب ومقاطع مفبركة بغرض جمع المتابعين وزيادة العائدات الإعلانية.

محامو ماكرون أعلنوا بوضوح أن الاستراتيجية ستتجاوز الرد اللفظي التقليدي: سيُعرض أمام المحكمة «شهادات خبراء» ومواد طبية وعلمية، إلى جانب صور عائلية ولقطات خاصة تُظهر مراحل حياة بريجيت، من بينها صور تُظهرها حاملاً ومشاهد من تربية أبنائها، وذلك بهدف تقديم برهان «علمي وفوتوغرافي» على أن الادعاءات لا تستند إلى أي حقيقة. محامي الزوجين أشار إلى أن الضرر بالنسبة لبريجيت لا يقتصر على الاعتداءات اللفظية وإنما يدخل في خانة «الإذلال العالمي» الذي تؤثر نتائجه على الصحة النفسية والعائلية.

أبعاد قضائية وسياسية معاً

القضية في ساحات القضاء الأميركي تصطدم بمبدأ واسع لحماية الكلام السياسي والإعلامي: على المدّعين إثبات أن المدعى عليها نشرت الأكاذيب «عن علم» أو بتجاهل صارخ للحقيقة (معيار «الشرّ المتعمّد» أو «actual malice» في القانون الأميركي لحرية التعبير). هذا المثلث القانوني يجعل من مسألة الإثبات أمراً مركزياً، ويضع أمام محامي ماكرون مهمة ثقيلة: إقناع هيئة المحلفين ليس فقط بكذب الادعاءات، بل بأن أوينز كانت تدرك زيفها أو تجاهلته عمداً.

الملف يحمل جرعات عالية من الرمزية: رئيس دولة غربي بارز يضطر إلى «إثبات جنسية» زوجته أمام محكمة أميركية لأن منصة رقمية أميركية روجت رواية ملفقة. وفي الوقت نفسه، يعكس الأمر تصاعد الصناعات الرقمية المبنية على الإثارة والتحريض، حيث تصبح الشائعة سلعة وسلاحاً. ويفسر قرار الانتقال إلى محكمة أميركية أيضاً رغبة الزوجين في بلوغ جمهور المتّهِم وبيئته القانونية، ومنع تكرار حلقات جديدة من السرد الكاذب خارج نطاق القانون الفرنسي.

خلفية قضائية متقلّبة

لا يجب تجاهل الخلفية القضائية في فرنسا: دعاوى سابقة في باريس انتهت بإدانات مطبّقات محلية، لكن محاكم الاستئناف أعادت ترميم حدود حرية التعبير في ملف مشابه، ما دفع الزوجين إلى البحث عن ملاذ داعم لمعايير أوسع لإثبات التعسف التشهيري. هذا التحرك المتكرر بين ساحات قضائية وُصف بأنه انعكاسٌ لتشابك المعايير الوطنية مع سلطة تأثير الإعلام الرقمي عبر الحدود.

لماذا الأدلة «الفوتوغرافية والعلمية»؟

لغوياً وإعلامياً، الردّ بالصورة والأدلة الطبّية يهدفان إلى تفكيك آلية الشائعة: الصورة العائلية الحقيقية تردّ على «الادعاء البصري» المزيف، والأدلّة الطبية أو الشهادات الخبِرية تضفي طابعاً علمياً يصعب دحضه بالتحليل السطحي أو بالتكثيف الديماغوجي. لكن ثمن هذه الاستراتيجية هو تعريض حياة خاصة ومشاهد عائلية لفضاءات علنية قد يستغلها الطرف المقابل لتوليد مادة درامية جديدة. وهنا يكمن السّؤال الأخلاقي: هل تدخل الحياة الخاصة لمواجهة خطاب عام مفترٍ يقوّض كرامة إنسانية ويمسّ سمعة عامة؟

القضية تطمح لأن تكون سابقة قانونية لكبح موجات التضليل والعنف الرمزي ضد شخصيات عامة، لكنّها أيضاً اختبار لمدى قدرة القضاء الأميركي على محاكمة أفعال منصّات إعلامية معادية خارج سياقاتها الوطنية. بغضّ النظر عن النتيجة، فإن ماكرون وبريجيت بذلك يسلّطان الضوء على ظاهرة أوسع: كيف حوّل الاقتصاد السياسي للانتباه وجهات رقمية معادية الشفافية إلى مصدر اختبار جديد للمؤسسات الديمقراطية. القرار النهائي للمحكمة الأميركية سيُقرأ عالمياً ليس فقط كحكم في دعوى تشهير، بل كمدى قدرة القانون على حماية الحريم الإنساني في عصر حيث «الشائعة» قد تُصنع وتُسوَّق بلا حدود.

رابط دائم : https://dzair.cc/vx9x نسخ