متى يتفطن المغاربة لمآزق المخزن؟.. دبلوماسية الجزائر الواقعية ورؤيتها الإقليمية الجديدة ستعزل المغرب بعدما حاصرته الجغرافيا في الزاوية

أحمد عاشور

يصرّ نظام المخزن على إقامة علاقات دولية بعضها غير منطقي والآخر غير سويّ، فبعدما قرّر أن يبني علاقات وثيقة مع مجلس التعاون الخليجي بعيدا عن الاتحاد المغاربي، هاهو اليوم يصرّ على الاستمرار في التطبيع مع الكيان الصهيوني رغم الرفض الشعبي الواسع لهذه العلاقة المدمّرة في ظل العدوان الصهيوني على غزة.

يبرر المخزن هذه العلاقات الملتبسة بكونه يبحث عن مصالحه، وأيّ مصالح؟ فإذا كان سعيه من أجل شرعنة استيلائه على الأراضي الصحراوية وإدامة احتلاله لها يقتضي بيع القضية الفلسطينية والتخلي عن التزاماته تجاهها، فهنا على القصر الملكي أن يقنع المغاربة بحسابات الربح والخسارة التي أرغمته على أن يقايض الصحراء الغربية بفلسطين، ثم في نهاية المطاف لا الصحراويون تخلوا عن بلادهم لأن الأمم المتحدة لا تزال تعترف لهم بحقهم في إقامة دولتهم عليهم عبر استفتاء لتقرير المصير، ولا الفلسطينيين وجدوا عذرا للمغرب في ما قام به من تطبيع، الرابح الوحيد فيه هو الكيان الصهيوني.

وحتى في ما يتعلق بالتقارب المغربي- الخليجي فإنه لم يكن بريئا، فقد جاء على حساب مصير اتحاد المغرب العربي الذي يعاني من الجمود بسبب التصرفات المزاجية لنظام المخزن، حيث فضّل هذا الأخير البحث عن علاقات غريبة لم يسبق لها مثيل في السياسة الدولية، الرابط الوحيد الموجود فيها هو التشابه في المنظومة السياسية الملكية مع دول الخليج، ولو كلّفه الأمر خسارة ما يترتب عن الجوار والقرب الجغرافي والمشترك الديمغرافي والثقافي مع دول المغرب العربي، من مزايا اقتصادية ووحدوية على جميع الأصعدة، فأين تكمن مصلحة المغاربة، أم أنّ هذه المصلحة ستبقى خاضعة لأهواء النظام الملكي الوحيد في منطقة المغرب العربي؟

وعلى خلاف هذا الطريق المجهول والمسدود والمدمّر الذي سيودي حتما بنظام المخزن ويطيح برأسه “القصر العلوي”، عاجلا أم آجلا، فإنّ الجزائر البلد القارة تفكر قيادته السياسية انطلاقا من مبادئ لا محيد عنها، تجعله مرتبطا سائر الزمن وعلى الدوام مع محيطه الجيوسياسي بأقاليمه المغرب العربي والساحل والمتوسط، في حيّز جغرافي عربي وإفريقي، وداخل بيئته الثقافية والحضارية الطبيعية بأبعادها العربية والإسلامية والأمازيغية.

إنّ هذه الركيزة التاريخية والجيوسياسية والإيديولوجية هي ما تستلهم منه الدبلوماسية الجزائرية رؤيتها الواضحة والسديدة لتعبُر بالجزائر عباب بيئة دولية نحو أهداف عظيمة واضحة، مهما كانت أمواجها عاتية ومياهها هائجة، وهذا ما يصنع الفرق الكبير بين الحكمة الجزائرية والحماقة المخزنية.

لقد استطاعت الجزائر من خلال استفادتها من إمكانياتها الجغرافية والاقتصادية والطبيعية والديمغرافية، في ظل قيادة سياسية نابعة من الشعب وتعمل لصالحه، من أن تبني علاقات وطيدة مع محيطها الإقليمي رغم الأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها دوله، خاصة في دول الساحل بعد الانقلابات العسكرية في النيجر ومالي وبوركينافاسو، والأزمة الأمنية في ليبيا على وقع التدخلات الأجنبية من قبل دول تتربص باستقرار الجزائر.

وفي هذا الجو المشحون بالتآمر على المصالح الجزائرية، تجد الدبلوماسية الوطنية حلولا لأعقد المشكلات الإقليمية ومسالك تتجاوز عبرها أصعب العقبات التي تضعها في طريقها دول وكيانات بعضها عدوّ مبدئيا والآخر أصر على معاداة الجزائر وافتعال المشاكل في طريق علاقاته التاريخية معه.

وفي الوقت الذي تبني فيه القيادة السياسية الجزائرية مصالح الدولة على أسس ثابتة ووفق آليات واضحة تهدف إلى تعميق العلاقات الثنائية والإقليمية من أجل أهداف التنمية والاستقرار والرخاء الاقتصادي لشعوب المنطقة، يستخدم نظام المخزن الرياضة بطريقة صبيانية من أجل افتعال الفوضى واستفزاز الجزائر بغرض محاولة جرها إلى أن تكون طرفاً في صراع فصلت فيه هيئة الأمم المتحدة عبر مواثيقها التي تمنح الحق للشعب الصحراوي في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.

وفي حين أثبتت الجزائر، من منطلق ما تحتكم عليه من إمكانات طبيعية وجيوسياسية، أنّها بمقدورها الاستغناء  عن المغرب من أجل بناء فضاءات إقليمية مستقرة بعيدا عن استفزازاته، يصرّ نظام المخزن على أن يعزل المغرب ويفرض الحصار على أرضه وشعبه بين الجزائر والصحراء الغربية، إذ سيتكفل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي بأن يجعلاه بعيدا عن أيّ امتداد جغرافي ضروري للعب أدوار إقليمية لا يزال المخزن يتوهم بأنه قادر على أدائها، فهل من المعقول القيام بسياسة لا نمتلك أدواتها؟

شارك المقال على :