8 أكتوبر، 2025
ANEP الأربعاء 08 أكتوبر 2025

محمد السادس بين غضب الشباب وصوت النخبة: إما إصلاح جذري وعميق أو سقوطٌ مدوٍّ للمخزن

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
محمد السادس بين غضب الشباب وصوت النخبة: إما إصلاح جذري وعميق أو سقوطٌ مدوٍّ للمخزن

في خطوة غير مسبوقة في المغرب، خرجت مجموعة من المثقفين والسياسيين والحقوقيين والإعلاميين برسالة مفتوحة إلى الملك محمد السادس، دعوه فيها إلى تحمّل مسؤوليته في ظل الغليان الشعبي الذي أشعله حراك “جيل زد”. ستّون توقيعًا على وثيقة واحدة تقول بوضوح إن البلاد وصلت إلى مرحلة الخطر، وإن “الجمود السياسي” لم يعد ممكنًا بعد الآن.

الرسالة التي تناقلتها وسائل الإعلام المستقلة ومنصة “Change.org” طالبت بإصلاحات حقيقية تمسّ جوهر النظام، لا شكله. الموقعون دعوا إلى محاربة الفساد والريع والزبونية، وتوجيه الإنفاق العمومي نحو التعليم والصحة بدل المهرجانات والمشاريع التجميلية، وإعادة الثقة إلى المؤسسات التي فقدت معناها بعدما أصبحت واجهات بلا مضمون. كما دعوا إلى فتح تحقيقات شفافة حول ضحايا الاحتجاجات، وتقديم تعازٍ رسمية لعائلاتهم، وإطلاق سراح معتقلي حراك “جيل زد” وسجناء الريف، وإعادة النظر في القوانين التي تخنق حرية التعبير والإعلام، بل والمضي نحو إصلاح دستوري حقيقي يعيد توزيع السلطة ويُخضعها للمساءلة.

هذه الرسالة تأتي في لحظة دقيقة. فالشوارع المغربية لا تزال تغلي منذ أيام، وشباب جيل زد يطالبون بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، بينما تصر الحكومة على التجاهل والمخزن على الصمت. وبينما تحاول السلطة امتصاص الغضب بخطاب المهدئات المعتاد، يبدو أن شرارة جديدة انطلقت من جيل لم يعش سنوات الرصاص لكنه يرفض أن يعيش في ظل “سنوات الصمت”.

الموقعون على الرسالة يعكسون تحولًا في المزاج العام: المثقفون الذين كانوا صامتين، بدأوا يتحدثون. والخوف الذي كان يخنق النقاش العام، بدأ يتراجع أمام إصرار الشارع. لكن السؤال الجوهري هو: هل الملك مستعد فعلاً للإصغاء؟ وهل يمكن لنظام المخزن أن يسمح بإصلاحات حقيقية تُهدد ركائز تحكمه التاريخية؟

منذ دستور 2011، ظل الخطاب الرسمي يكرر الحديث عن الإصلاح، لكن الواقع أثبت أن كل خطوة إصلاحية كانت تُفرّغ من معناها في التطبيق. البرلمان بلا سلطة حقيقية، القضاء بلا استقلال فعلي، والحكومة تُدار من فوقها. فكيف يمكن بناء ثقة شعبية في مؤسسات لا تُحاسب أحدًا، ولا تملك قرارها السيادي أمام القصر والمخزن؟

إن ما يحدث اليوم ليس مجرد حراك اجتماعي، بل إنذار سياسي بأعلى درجات الخطر. الشعب المغربي لم يعد يطلب وعودًا، بل يريد تغييرًا في قواعد اللعبة. يريد ملكية دستورية فعلية، لا رمزية شكلية. يريد دولة القانون، لا دولة التعليمات. يريد إعلامًا حرًا لا يخاف من قول الحقيقة.

الكرة اليوم في ملعب الملك. إما أن يختار طريق الإصلاح الحقيقي عبر التأسيس لملكية ديمقراطية تُعيد الثقة للشعب، أو يترك البلاد تنزلق نحو انفجار لا يمكن التحكم في مساره. فالمغاربة، بعد أكثر من عقد على حراك 20 فبراير، لم يعودوا يصدقون الوعود، ولا يخافون من رفع الصوت. جيل جديد يكتب تاريخًا جديدًا، ومن يتجاهله سيجد نفسه في مواجهة الحقيقة المرة: الشعوب قد تصمت طويلاً، لكنها لا تنسى.

رابط دائم : https://dzair.cc/9j68 نسخ