29 أكتوبر، 2025
ANEP الأربعاء 29 أكتوبر 2025

محمد السادس يأمر بإصدار فتوى “زكاة الرواتب”: عندما تتحول الفتوى إلى أداة جباية لإخفاء فشل سياسات المخزن

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
محمد السادس يأمر بإصدار فتوى “زكاة الرواتب”: عندما تتحول الفتوى إلى أداة جباية لإخفاء فشل سياسات المخزن

في بلد تتآكل فيه القدرة الشرائية للمواطن المغربي يومًا بعد يوم، ويُسحق فيه الموظف تحت وطأة الضرائب وارتفاع الأسعار وتجميد الأجور، خرج المجلس العلمي الأعلى بفتوى جديدة وُصفت بأنها “تاريخية”، لكنها في الواقع لم تكن سوى رصاصة جديدة في صدر الطبقة الوسطى، حين قرر علماء السلطة أن يفرضوا على الموظف زكاة راتبه الشهري، وكأن ما يُقتطع منه من ضرائب وجبايات ورسوم لا يكفي!

هذه الفتوى لم تأتِ في فراغ. فهي تتزامن بشكل “عجيب ومريب” مع سحب حكومة المخزن لمشروع قانون الإثراء غير المشروع من البرلمان، أي القانون الذي كان يمكن أن يفتح ملفات “الأغنياء الذين تضخمت ثرواتهم في وضح النهار”. وبدل أن يُسأل من راكم المليارات من الصفقات العمومية والاحتكار والريع، وُجِّهَ الخطاب نحو الموظف البسيط الذي بالكاد يسد رمق عائلته.

هل هذا اجتهاد فقهي؟ أم تواطؤ ناعم بين المؤسسة الدينية والمخزن السياسي لتوفير غطاء شرعي لاستنزاف جيب المواطن؟

زكاة أم ضريبة جديدة؟

يقول المجلس العلمي الأعلى إن الزكاة “عبادة مالية لا علاقة لها بالضريبة”. لكن الواقع يقول غير ذلك. لأن من يقرأ تفاصيل الفتوى يدرك أن الأمر ليس تيسيرًا لأداء العبادة، بل تمهيدٌ مقنّع لتقنين اقتطاع الزكاة من المنبع، وهو ما حذر منه مثقفون وكتاب كثر، معتبرين أن الدولة تبحث عن موارد جديدة بعد أن جفّت خزائنها، فاختارت الطريق الأسهل: الموظف.

كيف يُعقل أن تُفرض الزكاة على من يُقتطع من راتبه أكثر من ثلثه ضرائب ورسوم، بينما تغض المؤسسة الدينية الطرف عن أثرياء البلاد الذين تتضخم حساباتهم البنكية دون أن يدفعوا زكاة درهم واحد؟ أليست العدالة الاجتماعية أولى بالاجتهاد من “فقه الجباية”؟

محمد السادس وفتاوى القصر: من أضحية العيد إلى زكاة الرواتب

لم تكن هذه أول “فتوى مريبة” تُصدرها المؤسسة الدينية المغربية في عهد محمد السادس، بل تأتي امتدادًا لنهج قديم في تسييس الدين وتطويعه لخدمة صورة الحكم، فالعاهل المغربي، بصفته “أمير المؤمنين”، لا يكتفي بالتحكم في المجال السياسي والاقتصادي، بل يحرص أيضًا على احتكار المجال الديني وتوجيهه بما يخدم سلطته.

من فتوى “عدم جواز ذبح أضحية العيد في المغرب بسبب الجفاف” العام، إلى إصرار المغرب المزمن على مخالفة غالبية الدول الإسلامية في رصد أهلة رمضان والعيدين، حيث يحتفل المغاربة متأخرين أو متقدمين يوماً أو يومين عن العالم الإسلامي بأسره، وكأن السماء المغربية تدور في مدار مستقل!
كلها مظاهر تؤكد أن الفتوى في المغرب لا تصدر عن منطق شرعي مستقل، بل عن إرادة سياسية عليا تلبس لباس الدين، حتى أصبح محمد السادس يُقدّم نفسه “وصياً على الإيمان”، فيما الواقع يُظهر أن فتاواه تتحرك حسب مقتضيات المرحلة وحسابات السلطة.

الفتوى التي كشفت هشاشة الخطاب الديني الرسمي

لقد تحولت هذه الفتوى إلى مرآة عاكسة لأزمة الثقة بين المواطن ومؤسسات المخزن، بعدما شعر المغاربة بأن العلماء الذين يفترض أن يدافعوا عن قيم العدل والمساواة أصبحوا “فقهاء السلطة” لا “فقهاء الأمة”.

الكاتبة لطيفة البوحسيني لخّصت الموقف حين قالت: “عقل المجلس العلمي تفتّق على فتوى تخص زكاة الموظفين، لكنه عجز عن إصدار فتوى تخص ثروات الأوليغارشية!”، بينما ذهب الصحافي محمد أقديم أبعد من ذلك حين تساءل بسخرية لاذعة: “هل استنفد المجلس كل قضايا الأمة ولم يبقَ له سوى زكاة الموظفين؟ أم أن الأمر تهيئة نفسية لاقتطاع الزكاة مستقبلاً بشكل رسمي؟”.

إنها ليست مجرد فتوى، بل مؤشر على تماهي المؤسسة الدينية في المغرب مع خطاب سلطة المخزن، في وقت يعرف فيه المغرب واحدًا من أصعب المراحل الاجتماعية منذ عقود، حيث تتسع الهوة بين الأغنياء والفقراء، ويتآكل ما تبقى من الطبقة المتوسطة، وتغيب سياسات حقيقية للعدالة الاجتماعية.

في النهاية، لا أحد يعترض على فريضة الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام، لكن تحويلها إلى أداة ضغط على الموظف الضعيف هو تشويهٌ لمعناها الديني والإنساني، فالزكاة في أصلها جاءت لتُغني الفقير لا لتُفقر العامل، ولتحقق التكافل لا لتبرر الجباية، ولتُطهر المال لا لتتجمّل السياسات الفاشلة.

إنها لحظة فاصلة بين دين يُستخدم لرفع الظلم، ودين يُستخدم لتبريره، ولعلّ التاريخ سيتذكر أن منظومة المخزن التي صمتت عن ثروات النخب، قد فتحت فمها فقط حين تعلق الأمر بجيوب الموظفين.

رابط دائم : https://dzair.cc/d8ei نسخ