20 أكتوبر، 2025
ANEP الاثنين 20 أكتوبر 2025

محمد السادس يكذب ويقدّم وعودا وهمية بـ 140 مليار.. محاولة أخرى فاشلة للقفز إلى الأمام وإسكات جيلٍ صاخب لا يهدأ بسهولة

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
محمد السادس يكذب ويقدّم وعودا وهمية بـ 140 مليار.. محاولة أخرى فاشلة للقفز إلى الأمام وإسكات جيلٍ صاخب لا يهدأ بسهولة

في مجلس الوزراء الأخير للملك محمد السادس وحكومته المخزنية، بدا المشهد كأنه إعادة من دفترٍ قديم يخطّ فيه القصر مؤامراته ضدّ الشعب المغربي: وعودٌ براقة، أرقامٌ ضخمة، وتعييناتٌ جديدة هنا وهناك — كأنها وصفة سحرية تطفئ غضب الشارع وتعيد كل شيء إلى ما كان.

أعلن القصر والحكومة أن موازنة 2026 ستُخصّص نحو 140 مليار درهم للتعليم والصحة، مع خلق مناصب وظيفية وبرامج لمعالجة «الفوارق المجالية» وتحفيز مشاركة الشباب سياسياً، إضافة إلى حركة تعيينات في صفوف الولاة والعمال ومشاريع قوانين لمكافحة «الفساد الانتخابي». لكن قبل أن ننخدع بضخامة الأرقام ونصفقَ للبهرجة الإعلامية، علينا أن نسأل: هل هذه إجراءات جادة أم أنها مناورات قديمة لإخماد احتجاجاتٍ لا تقبل بالمسكّنات؟

أولاً: الحقائق البيّنة تقول إن الميزانية المقترحة لقطاعَي الصحة والتعليم قفزت إلى مستوى غير مسبوق — تصريح رسمي نقله الإعلام العالمي — لكنّ الأرقام وحدها لا تساوي إصلاحاً، فالمبلغ المذكور أبلغ عنه القصر والحكومة وكذّبته وكالات أنباء دولية، ومن الطبيعي أن يسجّل ذلك؛ لكن السؤال الأكبر يبقى: كيف سيتم إنفاق هذه المليارات؟ وما الآليات التي تضمن الوصول المباشر للخدمات المتهالكة في القرى والمدن؟ هذه الأسئلة لم تُجبْ عليها حكومة المخزن برقابة واضحة أو آليات تقييم مستقلة، هذا إذا سلمنا جدلا أنه بإمكانها الإفراج عن مبلغ بهذه الضخامة.

ثانياً: التاريخ يُعلّمنا أن «الوعود الكبيرة» ليست حكماً على التزام جديّ. النظام المخزني اعتمد مراراً وصفةَ الوعد والتهدئة لامتصاص الغضب: حركة 20 فبراير (2011) انتهت إلى دستورٍ «معدّل» حملته السلطة كإنجاز، لكن كثيرين اعتبروه آنذاك وسيلة لامتصاص الاحتجاجات بعيداً عن إصلاحات حقيقية في موازين السلطة. السياسة نفسها أعيدت لاحقاً خلال احتجاجات الريف، عندما تحوّلت المطالب الشعبية لخطاب أمني وتصعيد قضائي بحق قادة الحراك، وأُرفق ذلك بوعود تطويرية لم تُترجم على الأرض كما كان منتظراً. إن الذاكرة تُذكرنا بأن «الوعود الدستورية» أو التغييرات الإدارية لا تبني ثقةً، بل تُعيد إنتاج نفس المشهد.

ثالثاً: محاولة «الالتفاف» اليوم تبدو أكثر وضوحاً لأنها تتزامن مع فضائح وتسريبات بلغت قلب القصر — وثائق رواتب ومصاريف وأساليب إنفاق داخل المحميات الملكية ظهرت عبر تسريبات تُعرف بـ«جبروت»، ما جعل الفرق بين خطاب «العدالة الاجتماعية» وواقع الإنفاق الفعلي أمراً فاضحاً لدى الجمهور. هذا التسريب لم يعد مجرد إزعاج إعلامي بل أصبح سبباً لاهتزاز ثقة المغاربة في مشروعية الإنفاق وشرعية من يعلنون عن «إصلاح» بينما تُبذّر موارد ضخمة بعيداً عن المواطنين.

رابعاً: الرد الأمني والقضائي ربطه الكثيرون بمحاولة تضييق المجال على انتفاضة جيل زد قبل استيعابها عبر حلول ظرفية. المحكمة في أكادير أصدرت أحكاماً قاسية وصلت إلى سنوات طويلة ضد متظاهرين شباب اتُّهموا بأعمال عنف وهدم — خطوةٌ تلخّص منطق السلطة: معالجة الظاهرة بالعصا والقضاء، لا بالحوار والمعالجة الصحيحة. هكذا تختار المنظومة المخزنية الرد الأمني سريعاً بينما تعرض «حلولاً مالية» قد لا تصل إلى وجهتها الحقيقية. هذا التوازن بين «القصاص» و«الوعود» هو الذي يكرّس انعدام الثقة لدى المغاربة الواعين بالفخ الذي يريد محمد السادس أن يوقعهم فيه.

خامساً: مقارنة الأمثلة تؤكد نمطاً ثابتاً: الزجّ بالقضايا السياسية في إطار وعودٍ وآلياتٍ مؤقتة. ضحايا زلزال الحوز ومطالبهم بالتعويض والجسور المقطوعة بين الوعد والتنفيذ؛ مطالب سكان الريف؛ حتى ملفات الصحراء الغربية — كلها شهدت وعوداً رسمية ببرامج تنموية لم تغير الواقع اليومي للمواطن، وفي كثير من الأحيان استُعملت هذه الوعود لتبرير مشاريعٍ أكبر تُروج إعلامياً بينما المعاناة اليومية تُترك دون حل. هذا النمط يكرّس انطباعاً لا يزول بسهولة: أن الوعود تُقدَّم كمواد تهدئة أكثر منها كالتزام إصلاحي حقيقي.

السادس: مَن يظنّ أن تخصيص أموال أو تعيين ولاةٍ جدد سيُخمد غضب جيلٍ رافض للاختزال في وعودٍ تكررت سابقاً، يجهل الطبيعة الأساسية لما يجري. حركة جيل زد ليست مجرد احتجاج عن أنّ «الموظّفين لم يعودوا يعملون»، بل لأنّها تعبير عن جيل يتذرّع بالمعلومة ويرفض الحكاية المصطنعة. إنه جيل لا يرضى بأقلّ من آليات شفافية حقيقية: رقابة مستقلة على الميزانيات، عقوبات فعلية على الفساد، محاسبة علنية لمسؤولين، جدولة زمنية قابلة للقياس لمشروعات التعليم والصحة، وضمانات حقوقية لإشراك المواطنين في تتبّع التنفيذ. أي شيء دون ذلك سيبقى كلاماً منمّقاً جميلاً لا يُغني من جوع.

ختاماً: إن ما قدّمته سلطة المخزن تحت إشراف اللملك شخصياً مؤخراً يعبّر عن «محاولة قفزة إلى الأمام»— محاولة لصرف الأنظار عن السؤال الحتمي والحقيقي: لماذا تمّ تهميش ملايين المغاربة اقتصادياً واجتماعياً لسنوات؟ لماذا صارت التنمية واجهةً بشراء الصور والتظاهرة أمام الكاميرات؟ إن التاريخ المعاصر للمغرب يعلّمنا أن الحلول الدائمة لا تبنى بوعودٍ مؤقتة، وأن كسب الشرعية يتطلب أكثر من أرقامٍ في ميزانية؛ يتطلب إجراءات ملموسة، شفافة، ومُقاسة زمنياً، ومساءلة قانونية حقيقية.

إذا أراد القصر والمخزن كسب الوقت فقط فليفعلا ما يريدان، لكن عليهما أن يعيا أنه في زمن «جيل زد» لا يكفي توزيع وعودٍ مُعلّبة لإسكات صوتٍ اكتسب أدواته: الهاتف، الشبكات، والوعي. إسكات هذا الصوت بميزانية واحدة هو وهم، وسرعان ما تكشفه الوقائع — كما كشفت سابقاً الانكسارات بعد وعود 20 فبراير، ووعود الريف والحوز. إنْ كانت النوايا إصلاحية حقيقية، فلتأتِ الإجراءات مصحوبة بآليات تحقيق مستقلة، وإشراك حقيقي للشباب في كل مراحل التخطيط والتنفيذ. وإلا فلتعلم سلطة الملك والمخزن أن التاريخ لا يرحم من يراهن على الهدوء بعد أن يصبح الشعب صاخباً.

رابط دائم : https://dzair.cc/w78n نسخ