الجمعة 06 جوان 2025

مساعي الإمارات لإزاحة السعودية من مكانتها المحورية في الخليج قد يعرقل تماسك منظمة أوبك

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
مساعي الإمارات لإزاحة السعودية من مكانتها المحورية في الخليج قد يعرقل تماسك منظمة أوبك

منذ نشأة المنظمة قبل أكثر من ستين عامًا، لطالما لعبت الرياض دور الحامي لتماسكها ومرجعيتها، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت بروز طموحات إماراتية تتحدى هذا الدور بطرق تبدو أقرب إلى محاولة لتفكيك القيادة السعودية للمنظمة وربما إعادة رسم ملامحها بالكامل.

في مايو 2025، أعلنت أوبك+ زيادة إنتاجية جديدة بمقدار 411 ألف برميل يوميًا للشهر الثالث على التوالي. لكن خلف الكواليس التقنية لهذا القرار، يبرز سيناريو أكثر تعقيدًا يتمحور حول التوتر المتنامي الذي تديره الإمارات بصمت، لكنه ينذر بعواقب قد تفوق مجرد خلاف داخلي.

الإمارات: العضو المتمرد وسط ضوابط الكارتل
رغم الضغوط المتزايدة التي تواجهها أوبك بسبب توقعات تراجع الطلب على النفط في المستقبل القريب، تبدو أبوظبي وكأنها تعدّ العدة للخروج عن التوافق العام. فبصفتها ثالث أكبر مصدر للنفط داخل المنظمة، لطالما اتبعت الإمارات منهجًا متمردًا يطغى فيه السعي لتحقيق مصالحها الخاصة حتى مع تجاوز الالتزامات المقررة. فعلى الرغم من إعلان التزامها بحصة إنتاجية تقدر بـ2.9 مليون برميل يوميًا، تشير بيانات تتبع الشحنات إلى صادرات قريبة جدًا من هذا الرقم، دون احتساب الإنتاج الموجه محليًا والمخزون الإستراتيجي. بل إن تقديرات عديدة، منها ما يُصدر عن وكالة الطاقة الدولية، تشير إلى أن الإنتاج اليومي الفعلي للإمارات قد يتجاوز 3.4 مليون برميل، متعديًا حصتها بفارق كبير.

الاعتماد على المعطيات المتشعبة التي تقدمها شركات استشارية تتداخل مصالحها مع كبرى شركات النفط الخليجية، يضع مصداقية أرقام الإنتاج تحت المجهر. وفي ظل التواطؤ غير المباشر بين الشركات والجهات الرسمية، يبقى كشف الحقائق تحديًا حقيقيًا يمنح الإمارات مساحة أكبر للمناورة دون مخاطرة كبيرة.

التردد السعودي: استراتيجية أم مغامرة؟
السعودية، رغم إدراكها للأدوار التي تلعبها الإمارات والتي تصل إلى مستوى التأثير الاستراتيجي على مستقبل المملكة داخل أوبك وخارجها، تفضل التعامل مع هذا الملف بقدر كبير من التكتم. يعود ذلك خاصةً إلى حساسية التوازنات داخل المنظمة، والخوف من أن يؤدي الصدام العلني إلى انسحاب الإمارات، وهو تهديد حقيقي سبق وأن لوّحت به أبوظبي خلال عام 2021.

لكن هذا الأسلوب الحذر من قبل السعودية يفسح المجال للإمارات لتعزيز نفوذها بشكل تدريجي، بل وتصعيده إلى مستويات تتخطى الساحة النفطية لتصل إلى إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية والدولية، عبر استراتيجيات تشمل استثمارات ضخمة في التكنولوجيا والطاقة المتجددة وتوسيع النفوذ السياسي في مناطق أفريقية وغربية.

أهداف اقتصادية تضرب عمق التوافق
تتجلى الفجوة الأكبر بين السعودية والإمارات في التوجهات الاقتصادية المتعلقة بأسعار النفط. فبينما تحتاج الرياض إلى أسعار نفط مرتفعة تصل إلى 90 دولارًا للبرميل لتمويل مشاريعها العملاقة مثل نيوم وخطط البنية التحتية، تسير أبوظبي وفق نهج أكثر عدوانية يهدف إلى الاستحواذ على حصص سوقية بصرف النظر عن كلفة الأسعار المنخفضة؛ والتي تحتاج حدًا أدنى لا يتجاوز 50 دولارًا لتحقيق التوازن في موازنتها.

هذا الواقع يولد تناقضًا جذريًا في السياسات الإنتاجية داخل أوبك، مما يزيد الضغط ويشق الصفوف تدريجيًا.

هل نحن أمام انفجار مؤجل أم انسحاب لا مفر منه؟

في ظل تزايد الخلافات حول تقاسم الحصص، ورفض أبوظبي الالتزام بسقف إنتاج لا يتناسب مع قدراتها الإنتاجية المتنامية، وخاصة بعد استثمارها 62 مليار دولار في مشاريع جديدة، يبرز احتمال انسحاب الإمارات من أوبك كخيار يبدو أكثر واقعية.

وإن حدث ذلك، فلن يكون مجرد إجراء تقني بسيط، بل سيشكل زلزالًا يزعزع استقرار الكارتل النفطي من الداخل، وقد يفتح الطريق أمام تحالفات نفطية جديدة خارج نطاق المنظمة التقليدية.

يرى بعض المحللين أن الإمارات تدفع بأوبك عمدًا نحو حافة الهاوية، إما لإجبارها على مراجعة شاملة لنظام الحصص أو تمهيدًا لتأسيس تحالف بديل يقوم على أسس مختلفة. في كلتا الحالتين، الهدف الاستراتيجي الرئيسي هو كسر الهيمنة السعودية وإعادة صياغة مشهد النفوذ في سوق النفط العالمي.

صراع يقترب من نقطة اللاعودة

ما يُظهره الخلاف بين السعودية والإمارات تجاوز حدود التباين حول الحصص أو الأسعار، ليعكس صراعًا أكثر عمقًا يدور حول القيادة والسيطرة في سوق النفط.

استمرار أبوظبي في هذا المسار التصادمي لا يهدد فقط تماسك أوبك، بل يستهدف إعادة هيكلة الترتيبات الإقليمية التي حافظت على استقرار أسواق الطاقة لعقود طويلة.

على الرياض أن تعي أن تجنب المواجهة لم يعد خيارًا يمكنها المراهنة عليه، وأن الصدام الحاسم مع هذا “الشريك المتمرّد” أصبح أمرًا حتميًا ومسألة وقت لا أكثر

رابط دائم : https://dzair.cc/esws نسخ