الجمعة 04 جويلية 2025

مشيدا بالجزائر كجدار ثوري صامد… السفير الإيراني بابائي حصريا لـ”دزاير توب”: العدوان كان محاولة انقلاب استراتيجي مدبّرة… وإيران أسقطته بوعي الشعب وتماسك القيادة

تم التحديث في:
بقلم: د. هناء سعادة
مشيدا بالجزائر كجدار ثوري صامد… السفير الإيراني بابائي حصريا لـ”دزاير توب”: العدوان كان محاولة انقلاب استراتيجي مدبّرة… وإيران أسقطته بوعي الشعب وتماسك القيادة

مشيدا بالجزائر كجدار ثوري صامد… السفير الإيراني بابائي حصريا لـ”دزاير توب”: العدوان كان محاولة انقلاب استراتيجي مدبّرة… وإيران أسقطته بوعي الشعب وتماسك القيادة

بقلم: د. هناء سعادة

في مشهد فارق يعيد ضبط الإحداثيات الجيوسياسية في المنطقة، ويطيح برهانات الهيمنة الصهيو-أمريكية، فتحت سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالجزائر سجلّاً رسمياً للعزاء في شهداء “الردّ العظيم”، عقب العدوان المركّب الذي استهدف عمق السيادة الإيرانية. وقد تحوّلت مراسم التعزية، التي شهدت حضورًا نوعيًا من شخصيات دبلوماسية وسياسية وأكاديمية جزائرية، إلى تظاهرة رمزية للتماهي القومي مع كرامة الشعب الإيراني وحقه السيادي في الردّ.

العدوان كان محاولة انقلاب مكتملة… والشعب أفشلها

في تصريح حصري لـ”دزاير توب”، أكد سعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالجزائر، السيد محمد رضا بابائي، أنّ العدوان الأخير لم يكن ضربة عسكرية تقليدية، بل محاولة انقلابية مكتملة الأركان، تقف خلفها غرف عمليات استخباراتية عابرة للحدود، هدفت إلى تفكيك البنية القيادية للدولة الإيرانية، واستهداف مفاصل القرار السيادي، وزرع الشكّ والفتنة داخل المجتمع الإيراني.

وقال السفير: “إنّ ما جرى لم يكن اعتداءً عابرًا، بل مشروعاً انقلابياً استراتيجياً سقط تحت أقدام الوعي الجمعي الإيراني، الذي تجلّى في تلاحم استثنائي بين التيارات المختلفة – من إصلاحيين إلى محافظين، من وطنيين إلى حتى معارضين، الذين فهموا أن المستهدف ليس النظام فقط، بل كينونة الدولة الإيرانية ذاتها… هو محاولة مدروسة ومركّبة لتقويض النظام السياسي من خلال أدوات عابرة للحدود، عبر ضرب مراكز القرار السيادي، وإرباك القيادة، وإحداث شرخ داخل البنية الداخلية للدولة، باستخدام وسائل استخباراتية، وحملات نفسية وإعلامية، وأعمال عدوانية دقيقة، بما يجعل من الهجوم العسكري غطاءً لعملية زعزعة شاملة وممنهجة.”

وأضاف: “لم يتصدّ نظام الجمهورية الإسلامية للعدوان فحسب، بل خرج منه أكثر تماسكًا ومناعة. لم تُطفأ أنوار المنشآت النووية، ولم تُقصف الإرادة الإيرانية. بل على العكس، ازدادت إشعاعًا. كل هدف صهيوني – من إسقاط القيادة، إلى شلّ البرنامج النووي، إلى ضرب بنية الردع – سقط تباعًا تحت وطأة الصمود الإيراني وفشل الرهان على الصدمة.”

التفاف الشعوب يُفشل سرديات الشيطنة ويفكّك هندسة العزل

وأكد السفير بابائي: “إنّ ما تلقّيناه من مواقف شعبية نزيهة وواعية، من الجزائر ودول عدة، ليس مجرد تعاطف، بل موقف استراتيجي بحدّ ذاته. لقد وجّه التفاف الشعوب حول إيران، ورفضها السرديات المفبركة، ضربة موجعة لكل محتويات الشيطنة ومحاولات عزلنا عن محيطنا الإقليمي والإنساني. فقد فشلت هندسة العزل الجماعي لأن الشعوب باتت تفرّق بين من يدافع عن سيادته، ومن يروّج لوصفات الهيمنة المتجددة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان.”

الكيان الصهيوني إلى الظل… وأمريكا لا تُؤمّن الحماية

وأردف السفير: “لقد أسقطنا الوهم. ‘إسرائيل’ لم تعد تُرى كقوة مهيمنة. لقد تحوّلت إلى كيان مرعوب، هشّ، محكوم بالقلق، لا يقوى على مواجهة ساعة الحقيقة دون الاتكاء على مظلة واشنطن.”

وشدّد قائلاً: “نحن أمام كيان مأزوم، مُخترَق داخليًا، فاقد لهوامش المناورة، يحتمي بمنظومة دعم غربي آخذة في التفكك الأخلاقي والسياسي. لقد أثبت الردّ الإيراني أنّ التحالف مع أمريكا لا يضمن الأمن، بل يجلب الخراب. لقد دكّت صواريخنا الدقيقة مراكز القرار في تل أبيب، وطالت قاعدة العديد الأمريكية في قطر، لتؤكد أن معادلة الردع لم تعد نظرية، بل باتت واقعًا تُبنى عليه استراتيجيات جديدة.”

وحذّر السفير: “أي عدوان قادم – سواء من الكيان الصهيوني أو وكلائه – لن يُقابل بردّ محدود، بل بردّ كاسح متعدد المسارات، يصيب منشأ التهديد في مقتل. لقد ولى زمن الرسائل التحذيرية، ودخلنا مرحلة الفعل الحاسم وتثبيت معادلات الردع على الأرض.”

الوكالة الذرية… تواطؤ تحت غطاء الشرعية

وفي معرض حديثه عن صمت المؤسسات الدولية، وجّه السفير بابائي نقدًا لاذعًا إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قائلاً: “ما قامت به الوكالة هو سقوط أخلاقي مدوٍّ. نحن دولة عضو ملتزمة بكافة معايير الشفافية، بينما الكيان الصهيوني يرفض أي شكل من أشكال الرقابة الدولية، ويُمنح رغم ذلك حصانة سياسية وأمنية مريبة. هذا التناقض ينسف ما تبقى من مصداقية للمنظومة الأممية.”

وأكد: “البرنامج النووي الإيراني باقٍ، ومنشآتنا قائمة، ومعرفتنا التقنية عصية على القصف أو الإبادة. لقد فشلت الحرب في تقويض البنية العلمية، وسيناريو الترويض النووي لم يعد قابلًا للتنفيذ.”

الجزائر… ذاكرة الثورة وضمير الأمة

وفيما يخص موقف الجزائر، قال السفير بابائي: “نثمّن عالياً موقف الجزائر، حكومة وشعباً، الداعم للقضايا العادلة، والذي برز مجدداً في هذا الظرف العصيب. إنّ الجزائر أثبتت أنها وفية لتاريخها الثوري، ولنهجها الدبلوماسي المتوازن الذي يقف إلى جانب الحق، ويدافع عن الشعوب المستهدفة.”

ولم يتردّد السفير في الإشادة بما أسماه “التحرّك الجزائري المُفعم بالقيم والمبادئ”، مؤكدًا أنّ “الجزائر لا تحكمها مصلحة آنية، بل ذاكرة ثورية حية، تعي جيداً معنى مقاومة العدوان، وتفهم ثمن السيادة.”

وأردف قائلا: “لقد كانت الجزائر، وما تزال، جدارًا أخلاقيًا ضد الانحرافات الدولية، ومرآةً تعكس صدق المبادئ وسط عالم ينهار تحت ضغط الانحيازات العمياء. فثورة نوفمبر المجيدة لم تكن محليةً فقط، بل خريطةً أخلاقيةً لشعوب الأرض، ترفض الهيمنة وتنتصر للمستضعفين. وفي هذا السياق، يبرز الموقف الجزائري كامتداد طبيعي لمسيرة تاريخية تستعصي على الترويض أو “المساومة.

مراسم عزاء تحوّلت إلى إعلان سياسي عن الكرامة

تحوّلت مراسم العزاء، التي أقيمت في مقر السفارة، إلى تظاهرة وجدانية حملت رسائل سياسية ضمنية، حيث شارك فيها ممثلون عن أحزاب، وأكاديميون، وبرلمانيون، ومواطنون جزائريون، عبّروا عن تضامنهم الغير مشروط مع صمود إيران، وحيّوا ما وصفوه بـ”ردّ الكرامة المُلهم الذي أخرج المواجهة من نطاق الإدانة إلى حيز الفعل الاستراتيجي”.

وفي هذا السياق، صرّح أحد الحاضرين لـ”دزاير توب”: “إيران لم تكتفِ بإصدار بيانات الشجب، بل ردّت كما يجب أن تردّ الدول ذات السيادة… بأسلحة القرار لا استجداء المواقف.”

إيران تُعيد تعريف الردع… والجزائر تُعيد تعريف الوفاء

ما بعد هذا العدوان ليس كما قبله. لقد دخلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مرحلة سياسية وعسكرية جديدة، تجاوزت فيها منطق ردّ الفعل، لتُكرّس حضورها كقوة مبادِرة تصوغ توازنات الإقليم بإرادتها، لا كطرف تابع ينجرّ خلف مسارات تُرسم له.

وفي الجهة المقابلة، تواصل الجزائر تجسيد سياستها الخارجية المستقلة، باعتبارها صوتًا للمبادئ في عالم تهيمن عليه ثنائية المصالح والانحيازات العمياء، حيث يغدو الثبات الأخلاقي موقفًا سياديًا بحدّ ذاته.

رابط دائم : https://dzair.cc/zoh7 نسخ