الجمعة 16 ماي 2025

“مغربية الصحراء”.. مشروع مخزني خطير ومدمّر أدخل المغاربة في متاهة التبعية للكيان الصهيوني وجمّد إقامة اتحاد مغاربي على أسس صلبة

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
“مغربية الصحراء”.. مشروع مخزني خطير ومدمّر أدخل المغاربة في متاهة التبعية للكيان الصهيوني وجمّد إقامة اتحاد مغاربي على أسس صلبة

اليوم تحل الذكرى 27 لإعلان الجزائر والمغرب استئناف علاقاتهما بوساطة سعودية عقب قطيعة استمرت 12 سنة، والمصادفة لـ 16 مايو 1988، ذلك التاريخ الذي تعالت فيه الجزائر على كبريائها وترفعت فيه عن التمسّك بحقوقها، مؤثرة التنازل من أجل طيّ صفحة الخلاف مع المغرب وفتح صفحة جديدة من العلاقات لعلها تكون مختلفة عن سابقتها، وتتحول إلى فرصة لجمع دول المغرب العربي تحت سقف بيت واحد.

هذا البناء سرعان ما فرغ منه بناؤوه لكنه كان بناء بلا روح ووُلد جنينا ميتا، مؤسساته راوحت مكانها ولم تسفر المشاريع التي كان من المفترض به جدولتها ومناقشتها بعد طرحها على مختلف هيئاته عن شيء، والسبب الأول والمباشر هو النظام العلوي، الذي كلما تغاضت الجزائر أبدى وقاحة وعجرفة، ومهما تنازلت عن استحقاقها الجديرة به لقيادة صرحه لصالح قيادة جماعية واقتسام احتضان مختلف مؤسساته السيادية، إلا ووجد القصر العلوي ما يكفي من الدسائس والمعوقات لتعطيل مسيرته، فيعود لعادته القديمة في اتهام الجزائر بـ “افتعال النزاع الصحراوي” تارة، أو كونها “طرفا” فيه تارة أخرى.

لقد قضى المغرب في ظل حكم العائلة العلوية على حلم شعوب المغرب العربي في أن يروا كيانا فوق قومي يضمّ آمالهم بمستقبل مشرق يصنعه التآلف والانسجام السياسي، وتُقيمه سوق مغاربية مشتركة يستفيد منها جميع مواطنيه، وكلّ ذلك بسبب أنانيته وحرصه على مشروع توسعيّ واستعماري موجه ضدّ شعب مغاربي شقيق هو الشعب الصحراوي، فاخترع مغالطة “مغربية الصحراء” التي لا يدانيها في الفجور سوى أكذوبة “المسيرة الخضراء” التي لم تكن لا ثورة ضدّ الاستعمار ولا حقا مشروعا لاستعادة السيادة على جزء أصيل من التراب المغربي، بقدر ما كانت محاولة مبيّتة لنهب حقوق وثروات وأراضي الصحراويين.

ما لا يدركه الكثير من المغاربة المغرّر بهم أنّ نظام المخزن لم يكن ليخترع فكرة “مغربية الصحراء” دون عقد صفقة مع أكبر دولة وأعظم قوة في العالم، فالولايات المتحدة التي يمكنها وحدها بما تملكه من ثقل سياسي دولي ورصيد دبلوماسي عالمي، إخراج القضية الصحراوية من سياقها الأممي وإدخالها في سياق واقعي ملتبس.

لكن ترامب الذي عوّل عليه القصر العلوي في القيام بهذه المهمة المحفوفة بالانتهاكات القانونية الدولية والقفز على المواثيق الأممية وخرق العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية، لم يكن ليقدم على هذه الفعلة بالمجان، إنّه مقاول السياسة الذي ينجز المشاريع العابرة للشرعيات، بثمن باهظ جدا.

هذه الصفقة المخزنية المخزية كان ثمنها التطبيع مع كيان شبيه للكيان العلوي، فهما يلتقيان في كونهما صنيعة استعمارية مبنية على عقلية احتلالية توسعية، تستخدم جميع الوسائل غير الأخلاقية المنافية للكرامة الإنسانية والأعراف الدولية، في سبيل إخضاع شعبين عربيين للسيطرة ونزع أراضيهما بالقوة الغاشمة ونهب ثرواتهما وخيراتهما وإطالة أمد معاناتهما عبر الإبادة والحصار والتجويع والتهجير، وهذا ما يشترك فيه الشعبان الصحراوي والفلسطيني، في الجهة المقابلة.

كان لا بد على ترامب وهو يقبض الثمن من القصر العلوي، أن يُخرج القضية الصحراوية من إطارها المؤسسي الدولي ومن مسارها الشرعي المحدّد بنطاق زمني تمتد على طوله مراحل واضحة من المفاوضات والالتزام بخطة الاستفتاء الشعبي، الوحيدة التي تكفل حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وأن يُدخلها في متاهة من التأزيم والتعقيد، مفسحا لنظام المخزن أن يعربد وينتهك الحريات ويمارس القمع والبطش لفرض منطقه الواقعي بالقوة.

وكان بوسع أيّ مغربي حصيف ومتزن أن يفكر في أسلوب القصر العلوي في الترويج لفرية “مغربية الصحراء”، كيف تكون الأرض مستحقة والمغرب لا يسعه أن يطالب بأكثر من “حكم ذاتي” للصحراويين الذين لم يكونوا في يوم من الأيام جزءاً من ساكنة المغرب، وهذا ما يؤكد مخاوف المخزن في حد ذاته من مقدرته على إدماجهم حتى وإن تمكن من حكمهم بالقوة بعد فرض أكذوبة “مغربية الصحراء”، بالقوة أيضا طبعا.

كيف للمغاربة أن لا يلتفتوا إلى الحيل التي يستخدمها المخزن وهو لا يُطالب بضم الأراضي الصحراوية، طالما أنه يدعي بأنها جزء من سيادته الترابية، وأنّ تفسيره لتصفية الاستعمار يقتضي بأن تؤول إليه، فمطلب “الحكم الذاتي” في حد ذاته دليل إدانة على عدم شرعية ما يطالب به، لا من حيث التاريخ ولا من حيث الجغرافيا ولا حتى من حيث القانون الدولي.

ينبغي على الشعب المغربي أن يعيد النظر جيّدا في ثقته العمياء بالقصر العلوي، الذي يخوض مغامرة أشبه بالمقامرة، يُلقي بالمغاربة في أتون معركة خاسرة ستتسبب في جلب الصراع والفوضى وعدم الاستقرار للمنطقة المغاربية، يدفع في سبيلها بالمغرب ليصبح تابعا وخاضعا للصهيونية العالمية وأرضا رخيصة ينهبها الصهاينة تحت دعاوى الاستثمار والإعمار، في حين أن الحقيقة والواقع يؤكدان أن المملكة العلوية أصبحت مشروع مستوطنة ضخمة للصهاينة المغاربة المتطرفين، الذين يشدّهم حنين الماضي من أجل استيطان المغرب.

ألا ينتبه المغاربة لهذا المخطط الخطير الذي لن يفيد معه حتى ضمّ الصحراء الغربية للدولة المغربية، فما جدوى إضافة أراضٍ مغاربية جديدة في رصيد الكيان الصهيوني وإلحاقها بأملاك اليهود المغاربة في المغرب، أليس من الأفضل منطقيا أن تبقى الصحراء الغربية للصحراويين، على الأقل ساعتها يمكن توفيرها وعدم جرها لأن تكون هي الأخرى مقاطعة صهيونية كما هو حال المملكة العلوية اليوم للأسف.

وها هم المغاربة يخرجون كل نهاية أسبوع، بالملايين للتنديد بحرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال ويساهم فيها النظام العلوي بجميع الوسائل والإمكانيات التي يمتلكها، ورفضا للتطبيع ويرفعون أصواتهم وصراخهم عاليا من أجل وقف اتفاقياته المجحفة والمهينة والمذلة لهم أصلا، ويستنكرون الواقع المخزي الذي أصبح عليه ملكهم محمد السادس الذي لا يطرف له جفن ولا ترمش له عين وهو يوعز لعمال موانئ طنجة والدار البيضاء أن يفرغوا ويعيدوا شحن السفن القادمة من دول غربية والتي تحمل وسائل عسكرية وأجزاء مقاتلات وأسلحة وذخائر تستخدم في حرب الإبادة ضد إخوانهم الفلسطينيين، فهل أنصت النظام العلوي لصراخهم وتنديدهم وهل التفت لمظاهراتهم ومسيراتهم المليونية؟

إنّ المغاربة اليوم يقفون على مفترق طرق التاريخ والحضارة والجغرافيا، إنهم يضحون بعدم مرورهم لمرحلة أكثر تقدما؛ من مرحلة مجاراة ومداراة النظام العلوي والاكتفاء بالتنديد غير المجدي والمطالبات غير المسموعة، إلى مرحلة المطالبة بإسقاطه وتغييره بنظام يمثّل كيانهم الاجتماعي وكينونتهم الحضارية، نظام يعكس إرادتهم في الانتماء لأمتهم والدفاع عن مكونات هويتهم، نظام لا يقامر بمشروع الاتحاد المغاربي من أجل أهداف عبثية ستجر الويلات على المنطقة إن هي تحققت –لا سمح الله- أهداف تسلخهم من هويتهم وتفرض عليهم أن يكونوا عبيدا للصهاينة، فهل بعد كلّ هذا الذّل من ذلّ؟

أما الجزائر فمن جهتها، لطالما كانت ولا زالت وستظل قيادة وشعبا، صدى لصوت الشعب المغربي الحر في رفضه لصهينة المغرب وإدخال الغرباء إلى هذا البلد العزيز، فالصهاينة لصوص الأراضي والخيرات والتاريخ، تماما كما هو حال العائلة العلوية الاستعمارية، ولن يتوانوا يوما في تفويت فرصة أن يقدم لهم محمد السادس المغرب على طبق من ذهب ولا يلتهموه، إنها فرصة لا تأتي كلّ يوم.

الجزائر تتقاطع مع الشعب المغربي في أصالته وهويته التي يريد محمد السادس سلخها واستبدالها بهوية متصهينة تتسيد عليهم وتستعبدهم وتسطو على مقدراتهم المادية والمعنوية، كما أنها تتضامن معه وتؤيّده في رفضه للتطبيع ومطالبته بإعادة المغرب المختطف إلى سكته الحضارية وحاضنته الجغرافية المغاربية بعيدا عن المشاريع المشبوهة والمجهولة.

رابط دائم : https://dzair.cc/lgzm نسخ