25 سبتمبر، 2025
ANEP الخميس 25 سبتمبر 2025

مغرب ما بعد الملك؟ شائعات الموت السريري تُفجّر صراع أجهزة المخزن

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
مغرب ما بعد الملك؟ شائعات الموت السريري تُفجّر صراع أجهزة المخزن

تضجّ الساحة الإعلامية في المغرب وخارجه منذ أيام بشائعات متزايدة حول تدهور صحة الملك محمد السادس ونقله على عجل إلى باريس للعلاج، بل وصلت بعض المصادر إلى الحديث عن “موت سريري”. وبينما لا تؤكد الرباط هذه الأخبار ولا تنفيها بوضوح، فإنها كشفت عن واقع مقلق: صراع محموم على الخلافة، وحرب مكتومة بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، في لحظة اجتماعية متوترة تتسم بتدهور القدرة الشرائية وتزايد الدعوات للتظاهر.

هذه الشائعات لم تأتِ من فراغ؛ بل جاءت في سياق أزمة مركبة، حيث تتقاطع الانكسارات الداخلية مع رهانات خارجية خاسرة، أبرزها التطبيع مع الكيان الصهيوني وفشل الدبلوماسية المغربية في ملف الصحراء الغربية.

حرب الأجهزة في قلب العاصفة

تتداول تسريبات وتقارير غربية ومحلية عن صراع متصاعد بين عبد اللطيف الحموشي، الذي يجمع بين رئاسة الأمن الوطني والاستخبارات الداخلية (DGSN-DGST)، وياسين المنصوري، مدير المخابرات الخارجية (DGED) والمقرّب من الملك. كل جهاز يوظف أدواته الإعلامية والسياسية لشيطنة الآخر، في مشهد يذكّر بحروب الظل داخل أنظمة مهددة بالاضطراب.

تجلى ذلك في تقارير صحفية كشفت استدعاء المنصوري من القضاء الهولندي في ملف تجسس تورط فيه موظف حكومي من أصل مغربي، بينما لاحقت الحموشي اتهامات ثقيلة في فضيحة “بيغاسوس” التي استهدفت معارضين مغاربة وصحفيين ومسؤولين أوروبيين، بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز.

لعبة التضليل وتحويل الأنظار

آلات الدعاية المخزنية شنّت، في الفترة الأخيرة، هجمات إعلامية ضد الجزائر، في محاولة لصرف أنظار الداخل المغربي عن أزمات خانقة: انهيار القدرة الشرائية، أزمات الصحة والتعليم، واتساع فجوة الثقة بين المجتمع والسلطة. لكن هذه الحملات الدعائية لم تُخفِ الغليان المتزايد في الشارع، حيث دعت حركات احتجاجية للتظاهر يومي 27 و28 سبتمبر في مختلف المدن المغربية، ما ينبئ بانفجار اجتماعي وشيك.

القصر والخيارات الصعبة

وسط هذا المناخ، عادت الأميرة للا سلمى إلى الواجهة من خلال نشاط اجتماعي في فاس، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها تمهيد لدور محوري في تثبيت ابنها ولي العهد، الحسن الثالث. في المقابل، تحرك الأمير مولاي رشيد نحو الدوحة لحضور قمة طارئة، مستثمراً المناسبة لبناء شبكة دعم عربية تحمي موقعه في حال اشتداد معركة الخلافة.

السيناريوهات المطروحة لا تقتصر على الصراع العائلي، بل تمتد إلى الأجهزة: فإذا اعتلى الحسن الثالث العرش، قد يكون ذلك نهاية نفوذ الحموشي الذي يُقارن مصيره المحتمل بإدريس البصري، الرجل القوي في عهد الحسن الثاني.

السياق الدولي يزيد الطين بلة

تتزامن أزمة الداخل المغربي مع أزمات عابرة للحدود. فرنسا نفسها تعيش ارتباكاً سياسياً بعد سحب الثقة من حكومة بايرو وتعيين حكومة جديدة برئاسة ليكورنو، وسط مظاهرات عارمة. وفي هذا السياق، استُخدم التضليل ضد الجزائر كأداة لتخفيف الضغط على باريس والرباط معاً.

من جانب آخر، يواصل الكيان الصهيوني توظيف شبكة نفوذه عبر برامج التجسس والابتزاز السياسي للضغط على قادة أوروبا، خاصة في مدريد وباريس، وهو ما يجعل المغرب أكثر ارتهاناً لتحالفات مشبوهة لا تخدم استقراره الداخلي.

بين الشائعة والحقيقة: إلى أين؟

سواء كانت الأخبار عن تدهور صحة الملك دقيقة أو مجرد حرب نفسية، فإنها كشفت عن هشاشة البنية السياسية المغربية. فغياب الشفافية الرسمية يترك فراغاً يملؤه الإعلام الموجه والتضليل، فيما يظل الشارع على صفيح ساخن بفعل الغلاء والفقر والانسداد السياسي.

إن أي فراغ في قمة الهرم قد يفتح الباب على احتمالات خطيرة: نزاع على العرش بين أقطاب العائلة، مواجهة مفتوحة بين الأجهزة، وربما تدخلات خارجية مباشرة عبر الضغط السياسي والقضائي. في كل الحالات، يبقى المغرب على حافة نفق مظلم، حيث تختلط معارك السلطة بتطلعات مجتمع يئن تحت الأزمات.

المغرب اليوم ليس في أزمة شائعات بقدر ما هو في أزمة ثقة. فالملك، إن كان حاضراً أو غائباً، أصبح عنواناً لصراع أعمق بين أجهزة تتناحر، ونخب فقدت البوصلة، وشعب يبحث عن متنفس في الشارع. ومع استمرار سياسة التضليل والتطبيع والرهان على تحالفات مشبوهة، فإن الخطر الحقيقي ليس في صحة الملك وحدها، بل في صحة الدولة نفسها.

رابط دائم : https://dzair.cc/avt7 نسخ