7 سبتمبر، 2025
ANEP الأحد 07 سبتمبر 2025

مناورة أوروبية مكشوفة: الصحراء الغربية بين استغلال الثروات وتجاهل الشرعية

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
مناورة أوروبية مكشوفة: الصحراء الغربية بين استغلال الثروات وتجاهل الشرعية

أصدرت جمعية مراقبة الثروات وحماية البيئة بالصحراء الغربية بياناً شديد اللهجة حذّرت فيه من مناورة جديدة وصفَتها بالمكشوفة والمفضوحة من قبل المفوضية الأوروبية، في محاولة للالتفاف على قرارات محكمة العدل الأوروبية التي أكدت بوضوح أن أي اتفاقيات شراكة أو استغلال للموارد الطبيعية في الإقليم لا يمكن أن تتم من دون موافقة الشعب الصحراوي الممثل بشرعيته المعترف بها دولياً.

البيان جاء ليكشف مرة أخرى عن سياسة المراوغة الأوروبية التي، بدل أن تنحاز إلى مبادئ الشرعية الدولية، تختار التغطية على انتهاكات المغرب في الأراضي المحتلة مقابل مصالح اقتصادية آنية، خاصة في مجالات الصيد البحري والفلاحة والطاقات المتجددة.

المناورة الأوروبية لم تكن مفاجئة في ظل الضغوط التي تمارسها شركات متعددة الجنسيات تسعى جاهدة لضمان استمرار وصولها إلى الثروات الطبيعية الهائلة التي تزخر بها الصحراء الغربية، بدءاً من الفوسفات إلى الثروة السمكية، وصولاً إلى مشاريع الطاقات الشمسية والريحية التي يجري الترويج لها باعتبارها “خضراء” لكنها في الواقع تقوم على أسس استعمارية، لأنها تُنجز فوق أرض محتلة وبمعزل عن إرادة سكانها الأصليين. ورغم أن الأحكام القضائية الأوروبية الأخيرة تمثل مرجعية قانونية صارمة لا تحتمل التأويل، إلا أن المفوضية تعمل على إعادة صياغة اتفاقياتها التجارية مع المغرب بما يُبقي على الاستغلال غير الشرعي للموارد، في تجاهل صارخ لما يُعتبر اليوم من أبرز النزاعات الاستعمارية المتبقية في العالم.

الجمعية الصحراوية أوضحت أن هذه الخطوة ليست سوى استمرار لمسلسل طويل من السياسات الأوروبية القائمة على ازدواجية المعايير. فمن جهة، يرفع الاتحاد الأوروبي شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان ودعم القوانين الدولية، ومن جهة أخرى يغض الطرف عن الاحتلال المغربي ويعقد معه اتفاقيات تنعش اقتصاده على حساب معاناة الصحراويين وحقهم المشروع في تقرير المصير. هذا التناقض الفجّ لا يضر فقط بمصداقية الاتحاد الأوروبي أمام الرأي العام الدولي، بل يعزز أيضاً مناخاً من الإحباط والغضب لدى الشعب الصحراوي الذي يرى كيف تُدار مصالحه بقرارات في بروكسل أو الرباط دون أن يُستشار فيها.

إن هذه الممارسات لا يمكن فصلها عن السياق السياسي العام الذي يطبع تعاطي أوروبا مع النزاع في الصحراء الغربية. فالدول المؤثرة في الاتحاد، مثل فرنسا وإسبانيا، لطالما ساندت المغرب بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء عبر الفيتو في مجلس الأمن أو من خلال الترويج لمقترح الحكم الذاتي باعتباره “حلاً واقعياً”. لكن هذه الطروحات تصطدم بحقيقة واضحة: الشرعية الدولية، ممثلة في لوائح الأمم المتحدة، لا تزال تؤكد أن القضية الصحراوية قضية تصفية استعمار وأن الشعب الصحراوي وحده من يملك حق تقرير مصيره.

المناورة الجديدة للمفوضية الأوروبية تكشف أيضاً عن ضيق الأفق الذي يطبع سياسات الاتحاد في المنطقة المغاربية. فبدلاً من أن يلعب دور الوسيط النزيه الذي يساهم في حل نزاع طال أمده وأثّر على الاستقرار الإقليمي لعقود، يختار الاتحاد الانحياز إلى منطق المصالح الاقتصادية الضيقة، ولو على حساب القانون الدولي. مثل هذا الخيار لا يضمن لا الأمن الطاقوي لأوروبا ولا الاستقرار في جوارها الجنوبي، بل يفاقم التوترات ويطيل أمد النزاع.

ردّ الجمعية الصحراوية جاء ليؤكد أن الشعب الصحراوي لم يعد يقبل بلغة المراوغة، وأن أي محاولة جديدة لإضفاء الشرعية على الاستغلال الاستعماري ستُواجَه بمزيد من فضح هذه السياسات في المحافل الدولية، وبالتشديد على أن أي عقود أو اتفاقيات يتم توقيعها في غياب موافقته تُعتبر باطلة وعديمة الأثر القانوني. هذا الموقف يجد صداه لدى منظمات حقوقية ودولية عديدة، ترى أن أوروبا بمثل هذه السلوكيات تضع نفسها في موقع المتواطئ مع الاحتلال، وهو ما ينسف كل خطاباتها حول القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن بيان جمعية مراقبة الثروات وحماية البيئة بالصحراء الغربية ليس مجرد رد فعل ظرفي، بل هو إنذار أخلاقي وقانوني موجّه إلى المفوضية الأوروبية. فالقضية الصحراوية لن تُمحى من جدول أعمال المجتمع الدولي، وكل المناورات القانونية والسياسية لن تغيّر من الحقيقة الجوهرية: هناك شعب يعيش تحت الاحتلال، وهناك حقوق ثابتة لا تسقط بالتقادم. وكلما واصل الاتحاد الأوروبي التورط في هذه الصفقات المشبوهة، كلما ازدادت صورته اهتزازاً أمام شعوب المنطقة وأمام العالم. وفي النهاية، فإن التاريخ لن يرحم أولئك الذين اختاروا دعم الاستعمار ضد إرادة الشعوب.

رابط دائم : https://dzair.cc/rtd2 نسخ