الاثنين 30 جوان 2025

من أرض بوليفار… فنزويلا تكرّم سحر إمامي: الصوت الذي لم يرتجف تحت القصف.. بقلم: د. هناء سعادة

نُشر في:
بقلم: د. هناء سعادة
من أرض بوليفار… فنزويلا تكرّم سحر إمامي: الصوت الذي لم يرتجف تحت القصف.. بقلم: د. هناء سعادة

لم تكن لحظةً إعلاميةً عادية، بل شهادةً من نار ودم، لحظة سقط فيها جدار الأستوديو وتصدّعت فيه النوافذ، لكن بقي الصوت حيًّا، مرتفعًا، واضحًا. لم تكن المذيعة الإيرانية سحر إمامي تنقل خبراً عابراً في نشرة تقليدية، بل كانت تُدوّن لحظة من التاريخ بالصوت وحده، لحظة صنعتها شجاعةٌ نادرة وسط قصفٍ غادرٍ نفّذه الكيان الصهيوني، في محاولةٍ بائسةٍ لإسكات الكلمة الحرة.
يوم 16 يونيو، وفيما كانت إيران تردّ على العدوان، وجّه العدو صاروخًا مباشرةً نحو مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني. أرادوا أن يصيبوا قلب الحقيقة، أن يُسكتوا لسان الجمهورية الإسلامية وهي تُعلن للكون أنها لم تُهزم. لكنهم لم يحسبوا أن في ذلك المبنى امرأة، اختارت أن تواجه الصاروخ بالكلمة، وأن تبقى واقفة على الهواء، والردى يتربص خلف الجدار.
لم ترتبك سحر، لم تصرخ، لم تطلب النجدة. واصلت التغطية الحيّة كما لو أن شيئاً لم يحدث. في تلك الثواني، لم تكن مذيعة فحسب، بل جبهة قائمة بذاتها. جبهة عنوانها: صوت إيران لا يُقصف. صوتها كان أقوى من الانفجار، وحضورها كان أكبر من المشهد.
ولأن العظمة لا تخفى، جاء التكريم من قلب أمريكا اللاتينية المقاوِمة. الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، باسم شعبه وكرامة الأحرار في الجنوب العالمي، منح سحر إمامي جائزة “سيمون بوليفار” الخاصة، في اعترافٍ عالمي بأن الكلمة حين تُقال تحت القصف، لا تكون مجرد خبر، بل فعل مقاومة وكرامة. لم تكن الجائزة مكافأة على البسالة فحسب، بل تحية سياسية لروح التحدّي التي تمثّلها سحر: أن تبقى حاملة للميكروفون حين تسقط القذائف.
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، هو الآخر، لم يُخفِ تأثّره بالمشهد، فقال إن “صمود هذه المرأة الإيرانية جسّد مقاومة شعب لا يركع”، ووصف تصرّفها بأنه صفحة جديدة في سجلّ البطولة الإيرانية، حيث تكون المعركة بالوعي، والردّ بالصوت، والميدان هو شاشة التلفاز.
لم يكن استهداف مبنى الأخبار مجرد عملية عسكرية، بل محاولة لإسكات الرمز، لضرب صورة إيران التي لا تنكسر. لكنّهم خسروا الرهان. فالعدو الذي أراد أن يُسقط النشرة، وجد نفسه أمام امرأة حوّلت الاستوديو إلى متراس، والميكروفون إلى بندقية.
لقد لقّنت سحر إمامي الصهاينة درسًا قاسيًا في الإعلام المقاوم: النشرات لا تموت بالقصف، بل تولد من جديد حين تُقرأ بشجاعة. وأثبتت أن الإعلام، حين يكون في قبضة أبناء العقيدة والوطن، يُصبح جبهةً لا تقلّ أهمية عن خطوط النار.

في كل مكان يُستهدف فيه الإعلام، هناك دائمًا سحرٌ ما… ينهض من تحت الردم، ليُعلن أن الكلمة لا تُخرس.

رابط دائم : https://dzair.cc/6m73 نسخ