خرجت عشرات النساء في تالحيانت، إقليم خنيفرة بالمغرب، في مسيرةٍ طويلةٍ على الأقدام نحو مقر العمالة، مطالباتٍ برفع التهميش عن منطقتهنّ المنسية، وبتعبيد الطريق وتوفير النقل المدرسي والماء الصالح للشرب.
مشهدٌ مؤثر، لكنه في الآن ذاته اتهام صريح للمخزن الذي ما زال يُدير المغرب العميق بالعقلية القديمة ذاتها: الصمت أولاً، ثم القوة متى ارتفعت الأصوات.
نساء يسلكن الطريق التي نسيتها الدولة
في بلدٍ يتغنّى يوميًا بـ”الإنجازات التنموية الكبرى”، تمشي نساء فلاحات من قرى معزولة أكثر من عشرين كيلومتراً ليُسمِعن صوتهن لعامل الإقليم.
يحملن أطفالهن على الظهر، وأعلام الوطن في الأيدي، في صورة تختزل معنى المواطنة التي لا تُقاس بالبيانات الرسمية بل بخطواتٍ حافية على ترابٍ مهمل.
لكن بدل أن تُفتح لهنّ الأبواب، كان في انتظارهن تدخّل أمني لقوات القمع المخزني لمنعهن من الوصول، وكأنّ صوت المرأة الريفية جريمة، وكأنّ المطالبة بالماء والطريق تهديد للنظام العام.
المخزن وسؤال الإنصات
ما حدث في خنيفرة ليس حادثًا معزولاً، بل صورة مصغّرة لمغربٍ يعيش بتفاوتين: تفاوت في التنمية، وتفاوت في القيمة الإنسانية.
فبين مدنٍ تُرصّع بالأسواق الكبرى والملاعب الجديدة، وقرىً تُحرم من الطريق والمستشفى والمدرسة، تتكشّف حقيقة “العدالة المجالية” التي يروّج لها الخطاب الرسمي.
إنّ إصرار النساء على السير مشياً نحو العمالة هو فعل مقاومة رمزي ضد دولةٍ لا تسمع إلا صدى نفسها، وضد إدارةٍ ترى في المواطن المغربي رقماً في التقارير لا إنسانًا من لحمٍ ودم.
حين تصبح المطالبة بالماء شبهة
أن تُطالب نساء خنيفرة بشاحنة إسعاف أو طريقٍ معبّد، فذلك لا يدخل في خانة “الاحتجاج السياسي”، بل في أبسط حقوق البقاء.
ومع ذلك، قوبلن بالمنع وبمحاولات “التهدئة والوعود”، وكأنّ الكرامة تُوزَّع بقرارات فوقية.
إنه منطق المخزن الأبوي الذي لا يعترف بالمواطنة إلا حين تكون مطيعة، ولا يسمع صوت الشعب إلا بعد أن يُفلتره رجال السلطة والمنتخبون.
مغربٌ يسير على قدمٍ واحدة
من الحوز إلى خنيفرة، ومن جبال الأطلس إلى قرى الجنوب الشرقي، المشهد يتكرر:
مناطق منكوبة بالتهميش، واحتجاجات صامتة في الإعلام الرسمي، وسلطة مخزنية تمارس “الإنصات الانتقائي” لمن يصفّق لا لمن يصرخ.
إنه مغربٌ يسير على قدمٍ واحدة: قدم المدينة المعبّدة، وقدم القرية الغارقة في الوحل.
كلمة إلى سلطة المخزن
ما حدث في خنيفرة لا يُعالج بالوعود ولا بالتصريحات.
فحين تضطر النساء إلى قطع عشرين كيلومتراً مشيًا تحت الشمس ليصلن إلى عامل الإقليم، فذلك إعلانٌ واضح عن فشل الدولة في الوصول إلى مواطنيها.
المشكل ليس في غياب المشاريع، بل في غياب الإرادة السياسية لتوزيع الكرامة بعدلٍ على كل جهات الوطن.
إنّ المغرب الذي تريده نساء خنيفرة ليس مغربًا يُقمع فيه الصوت الريفي، بل مغربًا تمشي فيه الكرامة لا المهانة على الأقدام.
