في غضون أسابيع قليلة فقط، تبرز مشاهد متكررة من تدهور غير مسبوق للأوضاع الاجتماعية والحقوقية والسياسية في المغرب تحت حكم ما يُعرف بنظام “المخزن”، الذي ثبت بالملموس أنه غير قادر على حماية المواطنين أو ضمان الحد الأدنى من الحريات الأساسية أو حسن تدبير الشأن العام.
أولًا، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أطلقت إنذارًا صارخًا عن أن أرواح المواطنين في المغرب لم تعد أرقامًا في تقارير حكومية فارغة، وأن الانتهاكات في حقوق الإنسان تمتد إلى مستويات خطيرة، خاصة فيما يتعلق بحقوق النساء وتراجع وضع الحريات الأساسية.
منظمات حقوقية مستقلة أشارت بوضوح إلى أن السلطات لم تتوقف عند تجاوزات فردية، بل يلاحظ تفاقم الوضع الحقوقي العام، بحيث يتسع نطاق الانتهاكات وتعمّ الرقعة الاجتماعية التي تعاني من تراجع ضمانات الحرية الإنسانية.
هذه الشهادات تنسجم مع ما يراه كثير من المراقبين: أن المخزن يعتبر القضاء وسيلة لتكميم الأصوات الحرة وضرب أي احتجاج أو مطالبة بالعدالة، بدل أن يكون سلطة قضائية مستقلة تكفل الحق والحماية للمواطنين المغاربة.
إضافة لذلك، تكشف أحداث حديثة عن تراكم فشل الدولة في إدارة الملفات الاجتماعية الكبرى. ففي ملف البنايات المهددة بالانهيار، على سبيل المثال، كانت هناك تحذيرات برلمانية متكررة من أن حياة عشرات الآلاف من المواطنين مهددة، وقد تم تجاهلها بشكل صارخ. ذلك التجاهل الرسمي تتحمل فيه الحكومة المسؤولية الكاملة عن فاجعة سقوط ضحايا تحت أنقاض جدران بلا أمان يُفترض أن يوفره القانون والدولة.
أما في ملف الاحتجاجات المدنية التي أعقبت تلك الأحداث، فإن ما شهدته بعض المدن من مواجهات بين الشباب الذي يطالب بحقوقه الأساسية ونظام يرد بالقوة، يشير إلى أن أجهزة الدولة لم تتعلم دروسًا من الماضي، بل هي تتكرّر في نمط قمعي يؤكد أن الدولة ترى المواطن دائمًا كخصم محتمل، لا كطرف يجب أن يُستمع إليه ويُحترم.
ومن جهة أخرى، المالية العامة والموازنات لا تعبر عن أولويات اجتماعية واضحة للمواطنين، بل عن نظام يواصل السياسات التي لا تمتّ للاحتياجات الفعلية بأي صلة، لتصبح التنمية الشاملة مجرد شعار مكتوب على ورق لا يُترجم إلى واقع ملموس.
في المحصّلة، ما نشهده هو سقوط ممنهج في مراتع الحقوق والسياسات العامة: قضايا صحية مختلة، تعليم ينهار، عدالة متهاوية، وقمع لكل من يطالب بالحد الأدنى من الحقوق، بينما تظل الوعود الحكومية حبرًا على ورق. وهذا لا يمكن تفسيره إلا على أنه فشل بنيوي لنظام يُصرّ على إدامة نفسه عبر الإبقاء على المواطن في موقع التبعية والمعاناة.
إن المواطن المغربي يستحق دولة تحميه، لا نظامًا يُجبره على الدفاع عن حقه في الحياة والكرامة. والمعطيات المتراكمة من تقارير حقوقية واجتماعية تؤكد أن المخزن وصل إلى نقطة لا يمكن تجاهلها: النظام نفسه أصبح مصدرًا للخطر أكثر من أي عوامل خارجية أو طبيعية، ووجوب مساءلته صار مطلبًا واضحًا لا يحتاج إلى ترديد.
