2 سبتمبر، 2025
ANEP الثلاثاء 02 سبتمبر 2025

نهب الثروات في الصحراء الغربية يفضح الوجه الاستعماري للمغرب بعد أن حوّلها إلى مصدر أرباح غير شرعية على حساب شعبها

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
نهب الثروات في الصحراء الغربية يفضح الوجه الاستعماري للمغرب بعد أن حوّلها إلى مصدر أرباح غير شرعية على حساب شعبها

منذ عقود، يواصل المغرب فرض سيطرته على الصحراء الغربية متحدياً قرارات الشرعية الدولية التي لم تعترف يوماً بسيادته على الإقليم. وإذا كان الاحتلال قد بدأ كخيار عسكري وسياسي مدعوم من قوى خارجية، فإنه سرعان ما تحول إلى مشروع اقتصادي يعتمد على نهب منظم لموارد طبيعية هائلة. هذا النهج جعل الاقتصاد المغربي مرتبطاً بشكل وثيق بثروات منطقة لا يملك عليها أي سند قانوني، وهو ما يضع المخزن في موقع هش ويجعله عرضة لضغوط ميدانية ودبلوماسية متزايدة.

الصحراء الغربية بالنسبة للمغرب ليست مجرد قضية سياسية بل خزان ثروات استراتيجية. فالإقليم يزود المملكة بمصادر متعددة للطاقة سواء من خلال واردات النفط والغاز عبر موانئ العيون والداخلة، أو من خلال مشاريع الطاقات المتجددة التي تُبنى فوق الأراضي المحتلة وتُقدّم للعالم باعتبارها جزءاً من “الانتقال الأخضر المغربي”. الناقلات البحرية القادمة من أوروبا وأميركا تنقل كميات ضخمة من الغاز المسال والمشتقات النفطية لتشغيل محطات الكهرباء ومصانع الإسمنت والمزارع الصناعية التي تخدم المستوطنين المغاربة. وفي الوقت نفسه، يتم استغلال الإمكانات الطبيعية للصحراء الغربية لإقامة مزارع شمسية وريحية مثل مشاريع طرفاية وأفتيسات ونور العيون وبوجدور، وهي مشاريع لا يستفيد منها السكان الصحراويون بل تُسخّر لدعم اقتصاد الاحتلال وتعزيز صورته الخارجية كـ “مستثمر” في الطاقات النظيفة.

هذا “الاستثمار” المكثف لا يقتصر على الطاقة وحدها، بل يشمل البنية التحتية التي تُستخدم لتكريس السيطرة. فالمصانع الكبرى للإسمنت تبني الطرق والموانئ والجدار الرملي الذي يمتد على آلاف الكيلومترات، وهو ما يجعل كل مشروع اقتصادي جزءاً من منظومة أمنية واستيطانية متكاملة. وفي موازاة ذلك، أصبحت الداخلة مركزاً حيوياً للصيد البحري والزراعة الموجهة للتصدير، حيث تُرسل الطماطم والأسماك نحو الأسواق الأوروبية رغم الأحكام القضائية التي قضت ببطلان الاتفاقيات التجارية التي تشمل الصحراء الغربية المحتلة. الاتحاد الأوروبي يجد نفسه في تناقض صارخ: فهو يعلن احترام القانون الدولي بينما يستمر في استيراد منتجات قادمة من إقليم غير معترف بسيادة المغرب عليه.

هذه السياسة تواجه تحديات متزايدة. فمن جهة، يستمر الجيش الصحراوي في شن هجمات على مواقع الجدار منذ استئناف القتال سنة 2020، مستهدفاً بنية الاحتلال العسكرية والاقتصادية. ومن جهة أخرى، تتعرض الشركات الأجنبية المشاركة في مشاريع الطاقة أو الزراعة إلى دعاوى قضائية وضغوط سياسية متصاعدة، خصوصاً بعد قرارات محكمة العدل الأوروبية التي أكدت أن الصحراء الغربية كيان منفصل عن المغرب، وأن أي اتفاق يشمل مواردها يجب أن يتم بموافقة الشعب الصحراوي عبر ممثله الشرعي جبهة البوليساريو. هذه الأحكام أضعفت شهية المستثمرين وخلقت مناخاً من الشك يهدد استدامة المشاريع القائمة.

وبينما يسعى المغرب إلى تقديم نفسه كقوة إقليمية صاعدة بفضل ثروات الصحراء، فإن الواقع يكشف مفارقة أساسية: كلما ازداد رهان المخزن على هذه الموارد، ازدادت تبعيته لها، وبالتالي ارتفع ثمن الاحتلال. فالإقليم الذي يوفر عوائد مالية مهمة قد يتحول في أي لحظة إلى مصدر استنزاف إذا تصاعدت الهجمات العسكرية أو اشتدت الضغوط القانونية والدبلوماسية. إن الاستغلال المكثف للثروات فوق أرض محتلة يجعل من مشروع المغرب في الصحراء الغربية خياراً غير قابل للاستدامة، لأن أساسه القانوني والسياسي هش، ولأن الشعب الصحراوي يواصل مقاومته بأشكال متعددة، من الميدان إلى المحاكم الدولية.

رابط دائم : https://dzair.cc/orbp نسخ