الأحد 25 ماي 2025

هذا هو عرّاب التطبيع الإماراتي مع الكيان ومهندس الرشاوى السياسية الذي وظفه بن زايد لصهينة المنطقة العربية

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
هذا هو عرّاب التطبيع الإماراتي مع الكيان ومهندس الرشاوى السياسية الذي وظفه بن زايد لصهينة المنطقة العربية

منذ اللحظة الأولى لتوقيع اتفاقيات التطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني في سبتمبر 2020، برز اسم علي راشد النعيمي كأحد أبرز الوجوه التي تولّت مهمة تسويق المشروع إماراتيًا وعربيًا.

لكن النعيمي، الذي يتقلد مناصب متعددة من بينها رئاسة “اللجنة البرلمانية الإماراتية – الإسرائيلية” وإدارة “مركز هداية” للأمن الفكري، لم يكن مجرد موظف في ماكينة العلاقات العامة؛ بل كان عرّابًا لشبكة صفقات خلف الكواليس، تتقاطع فيها السياسة بالمال، والتطبيع بالقمع، والتحالفات السرية بالتأثير في الرأي العام الغربي.

قصة النعيمي مع نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، تمثل نموذجًا صارخًا لهذا النمط من العلاقات. فخلال مرحلة تشكيل الحكومة الإسرائيلية عام 2021، والتي تميزت بتحالف هش بين بينيت ويائير لابيد لتقاسم رئاسة الوزراء، تحركت أبوظبي سريعًا لنسج خيوط علاقة موازية مع بينيت وفريقه، بقيادة النعيمي كمبعوث غير رسمي لمحمد بن زايد.

المال مقابل النفوذ

بحسب مصادر دبلوماسية مطلعة، فإن التواصل بين النعيمي وفريق بينيت بدأ حتى قبل أن يتولى الأخير رئاسة الحكومة في 13 يونيو 2021. وتمحورت اللقاءات التمهيدية حول إمكانية بناء “شراكة أمنية – إعلامية – لوجستية” بين الطرفين، تُدار خلف الأضواء وتُموّل بسخاء من خزائن أبوظبي.

وكان واضحًا أن بينيت لا يمانع، خاصة مع وجود شخصيات مثل تال غان تسفي، مدير مكتبه آنذاك، الذي لمح في أحد الاجتماعات إلى “حاجة الائتلاف السياسي إلى تمويل غير مباشر” لدعم الحملات الإعلامية واللوبيات المؤيدة للحكومة الجديدة.

النعيمي، الذي عُرف بخبثه واستعداده لتوظيف المال السياسي في تحقيق أهداف أبوظبي، لم يتردد. لكنه وضع قائمة واضحة من المطالب:

تحصين صورة الإمارات في الغرب عبر الضغط على اللوبيات اليهودية للدفاع عن سجلها الحقوقي.

استهداف النشطاء والمعارضين لسياسات الإمارات في أوروبا باستخدام أدوات الاستخبارات الصهيونية، وعلى رأسها الموساد.

تمكين مؤسسات مثل “مركز هداية” في بروكسل لتكون منصة شرعية لفرض الرؤية الإماراتية في ملفات مثل “الإرهاب” و”التطرف”، بما يخدم تصنيف الخصوم السياسيين كأعداء محتملين.

هندسة التحالف: من الهدايا إلى الجوائز إلى الولاءات

لم تكن الرشاوى المقدمة لفريق بينيت تقليدية أو فجة. بل صيغت بعناية على هيئة “دعوات رسمية” لمؤتمرات دولية، “جوائز أكاديمية” تمنح لشخصيات تدور في الفلك الإماراتي، و”مساهمات بحثية” لمراكز إسرائيلية تهتم بقضايا “مكافحة الكراهية” و”الحوار الديني”، وكلها شعارات فضفاضة وظّفتها أبوظبي لتبرير القمع والتطبيع في آن.

حتى “المرافقة اللوجستية” للوفود الإسرائيلية التي زارت الإمارات، ومن بينها فريق بينيت، جُهّزت لتوفير بيئة سياسية مغلقة يمكن فيها بناء علاقات قائمة على المقايضة: الصمت مقابل المال، والتقنيات مقابل الشرعية، والمعلومة مقابل الولاء.

وبالنسبة لعلي راشد النعيمي، الذي يصفه البعض في الداخل الإماراتي بأنه “مهندس الرشاوى البيضاء”، فإن هذا الأسلوب من الدبلوماسية المغلفة بالتسامح هو الواجهة الجديدة لمشروع القمع الإماراتي، الذي يسعى إلى فرض صيغته على العالم العربي تحت شعار “الاستقرار والتعايش”.

جلسة أبوظبي المغلقة: عودة بينيت بلا صفة رسمية

في تطور لافت، عاد نفتالي بينيت مؤخرًا إلى أبوظبي، رغم غيابه عن المشهد الرسمي الإسرائيلي. وخلال زيارة غير معلنة، عقد بينيت جلسة مغلقة استمرت ثلاث ساعات مع محمد بن زايد، بحضور علي راشد النعيمي وشخصيات أمنية مقربة من طحنون بن زايد، مهندس الملفات الاستخباراتية في الإمارات.

الأسئلة هنا تتضاعف: ما الذي يدفع رئيس وزراء سابق، لا يشغل حاليًا أي منصب رسمي، للقيام بزيارة بهذا المستوى؟ وما الذي يدور في كواليس العلاقة بينه وبين النعيمي حتى بعد خروجه من المشهد؟

الإجابة تكمن في أن العلاقة بين بينيت وأبوظبي تجاوزت المنصب والمرحلة السياسية، وتحولت إلى شراكة أمنية – معلوماتية – لوبياتية، تحمي بها الإمارات مصالحها في الغرب، وتوظف من خلالها نفوذ الكيان الصهيوني لكبح الأصوات المنتقدة لنموذجها الاستبدادي.

ما بعد التطبيع: قمع مغلّف بلغة أوروبية

تظهر هذه القصة كيف استُخدم التطبيع ليس فقط كجسر للتبادل التجاري أو التكنولوجي، بل كآلية لتوسيع دائرة القمع خارج الحدود، وتصدير نموذج إماراتي يقوم على شراء الصمت، وتوظيف الحلفاء لضرب الخصوم.

فبدلًا من تسويق صورة الإمارات كمنفتحة وحديثة، تسعى أبوظبي اليوم عبر أمثال النعيمي إلى تحصين سلوكها الأمني من أي انتقاد، وتجنيد أدوات إسرائيلية في هذا المسار.

والنتيجة؟ تقنين الرقابة، تسويق القمع بلغة ناعمة، وشرعنة الاستبداد تحت مسميات “مكافحة التطرف”.

رابط دائم : https://dzair.cc/vrzt نسخ