السبت 31 ماي 2025

هكذا اختُطفت دويلة الإمارات من قبل جهاز أمن الدولة ليحوّلها إلى سجن كبير

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
هكذا اختُطفت دويلة الإمارات من قبل جهاز أمن الدولة ليحوّلها إلى سجن كبير

كشف ناشط حقوقي إماراتي معارض عن خبايا الدولة العميقة في الإمارات، وتحديدًا جهاز أمن الدولة الذي تحوّل إلى القوة الحقيقية التي تتحكم في مفاصل القضاء والسياسة والمجتمع، وتعيد هندسة الدولة من الداخل وتحولها إلى سجن كبير.

ففي شهادة غير مسبوقة، أكد المستشار القانوني والقضائي الإماراتي السابق محمد بن صقر الزعابي، أن جهاز أمن الدولة الإماراتي وُلد عام 1974 بموجب مرسوم اتحادي لتأمين الاستقرار، لكنه مع مرور الوقت تحوّل إلى “جهاز قمعي بغطاء قانوني سري”.

ويشير الزعابي إلى أن عام 2003 كان لحظة التحول الكبرى، مع صدور قانون غير منشور منح الجهاز صلاحيات مطلقة، حوّلته من مؤسسة أمنية إلى “دولة داخل الدولة”، تعمل فوق القانون وتحت غطاء وطني.

لكن السياق الأمني بدأ يتغير حتى قبل ذلك، في عام 1994، حين وقعت محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وتبعها تنسيق أمني وثيق بين القاهرة وأبوظبي.

هذا الحدث مثّل، حسب الزعابي، بداية لانزلاق الإمارات نحو الحكم البوليسي، حيث بدأ استهداف التيارات الإسلامية وفي مقدمتها “جمعية الإصلاح”، باستخدام أدوات قمعية مستوردة من مصر والأردن، ولاحقًا من الكيان الصهيوني.

“قبل 1994، كانت الإمارات حاضنة للمنفيين ومفتوحة للجمعيات. بعد ذلك أصبحت مختبرًا للتعذيب والتضييق”، هكذا يلخّص الزعابي المشهد. وهو مشهد لم يسلم منه هو نفسه، إذ تعرّض للتنكيل، وتم اختطاف أسرته بعد رفعه دعوى ضد أحد حكّام الإمارات.

بنية قضائية مشوّهة

في تشريحه للبنية القانونية والقضائية في دويلة الإمارات، يتحدث الزعابي عن نظام مزدوج (اتحادي/محلي) كان يفترض أن يبقى منسجماً، لكنه تعرّض للاختطاف من قبل السلطات الأمنية.

ويكشف أن إمارات مثل أبوظبي والشارقة أعادت القضاء المحلي بشكل أحادي، مما قزّم دور القضاء الاتحادي الذي بات محصوراً في إمارات صغيرة، وفتح المجال أمام سيطرة أمنية مباشرة على سير العدالة.

لكن الأخطر في روايته هو ما يتعلق بـ نيابة أمن الدولة، وهي جهة صغيرة الحجم لكنها واسعة النفوذ. تم إنشاؤها بموجب القانون السري لعام 2003، وتخضع إدارتها لموافقة جهاز الأمن، ما يجعل استقلاليتها مجرد وهم.

وعلى الرغم من أن النيابة العامة في صورتها الرسمية كانت بمنأى عن الاختراق، إلا أن النيابة المتخصصة بقضايا “الأمن” أصبحت أداة مباشرة في يد الجهاز.

سجون الظل وغرف التعذيب

وفق الزعابي، جهاز أمن الدولة يدير شبكة من السجون السرية وغرف التعذيب، يتم فيها احتجاز الأفراد دون تهم واضحة أو محاكمة عادلة. كانت هذه الممارسات في بداياتها موجهة ضد غير الإماراتيين، لكن مع الوقت لم يسلم منها المواطنون أنفسهم.

القانون السري، كما يسميه، منح الجهاز سلطة احتجاز الأشخاص لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد، ومنعهم من السفر أو التوظيف، دون أي رقابة قضائية فعلية. هذا النوع من القوانين، غير المنشورة، يمكّن السلطة التنفيذية من إعادة تعريف الجريمة على هواها، دون الحاجة إلى مساءلة أو مراجعة.

بين القاضي والضابط… من يملك السلطة؟

أكثر الشهادات صدمة في حديث الزعابي كانت حول علاقة الجهاز بالقضاة. تحدث عن تدخلات مباشرة في سير العدالة، وصلت إلى حد إهانة القضاة داخل مكاتبهم من قبل ضباط أمن برتب صغيرة. في واقعة سردها، أصرّ الجهاز على التحقيق مع قضاة، وعندما رفضوا، جاء الرد: “فليذهب الضابط إلى مكتب القاضي!”.

ويؤكد الزعابي أن هذه الممارسات جعلت من القضاء أداة مطواعة بيد الأمن، وأفقدت المواطنين الثقة في النظام القضائي برمته. كما أشار إلى أن التعيينات القضائية تتم عبر مقابلات ثم مرسوم من الحاكم، لكن المرشحين لوظائف أمن الدولة يخضعون لتدقيق أمني صارم، ما يجعل ولاءهم الحقيقي للجهاز لا للقانون.

من دولة رفاه إلى دولة خوف

يرى الزعابي أن التحول التاريخي الذي شهدته الإمارات جعلها تنتقل من كونها دولة تستقطب المنفيين السياسيين، وتمنحهم المنازل، كما فعل الشيخ زايد، إلى دولة تمارس الاعتقال والتعذيب بحق المقيمين والمواطنين. ويروي كيف تم اعتقال الشيخ العراقي محمد الراشد عام 1996 وسجنه لأربع سنوات، رغم أنه كان ضيفاً سياسياً سابقاً.

هذا الانقلاب لم يكن أمنياً فحسب، بل كان تحولاً في عقيدة الدولة، حيث جرى إخضاع المجتمع بالكامل إلى سلطة جهاز واحد، يملك المعلومة، ويقرر من يُحاسب ومن يُمنح، من يُوظف ومن يُقصى.

ويحذّر الزعابي في ختام حديثه من أن الاستمرار في هذه السياسات القمعية سيكلف الإمارات سمعتها ومكانتها الدولية، خاصة في ظل الانتقادات الحقوقية المتصاعدة.

ويدعو إلى إصلاح جذري للجهاز الأمني، وفصل السلطات بشكل حقيقي، يعيد للعدالة استقلالها، ويمنح المجتمع مساحة للتنفس.

إن ما كشفه الزعابي ليس مجرد سرد لتجربة فردية، بل إدانة موثّقة لنظام يتغوّل باسم الأمن، ويقوّض ما تبقى من دولة القانون والمؤسسات. فحين يصبح القاضي خاضعًا لضابط، وتُدار العدالة من غرف مغلقة، لا يعود أمام المواطنين سوى الصمت… أو المنفى.

رابط دائم : https://dzair.cc/lbj5 نسخ