21 أكتوبر، 2025
ANEP الثلاثاء 21 أكتوبر 2025

يقضي أوّل يوم له في السّجن.. بين ساركوزي والمخزن: كيف غضّ القضاء الفرنسي عينيه عن هذه العلاقة المفضوحة وحاكمه في قضايا مشبوهة؟

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
يقضي أوّل يوم له في السّجن.. بين ساركوزي والمخزن: كيف غضّ القضاء الفرنسي عينيه عن هذه العلاقة المفضوحة وحاكمه في قضايا مشبوهة؟

من باريس إلى الرباط، ومن فضيحة إلى فضيحة، ينكشف الغطاء عن شبكة فساد متشابكة تمتد عبر الحدود، تختلط فيها السياسة بالمال، والدبلوماسية بالتجسس، والسلطة بالنهب. في قلب هذا المشهد يقف نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي الأسبق، المدان في قضية التمويل الليبي لحملته الانتخابية، والذي راح ينسّق علاقاته مع المغرب عبر رموز مثل رشيدة داتي، وزيرة فرنسا ذات الأصول المغربية، لتبدأ حينئذ فصولٌ من العلاقات العميقة المشبوهة بين باريس والرباط، وبين المال والسلطة، وبين المخزن وأسلافه الأوروبيين.

لقد أدان القضاء الفرنسي ساركوزي بتهمة «جمع أموال سرية من ليبيا» لحملته الانتخابية عام 2007، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات، ما جعله أول رئيس فرنسي يُسجن منذ الحرب العالمية الثانية.

في حين تلقّت داتي، المقربة من ساركوزي، انتقادات واعتراضات جدّية بعد كشف تسريبات عن تحويلات مالية لم تكن مبرّرة، عندما كانت نائبةً أوروبية ومحامية.

لكن لماذا نصف هذه العلاقة بأنها «تحالف فسادٍ»؟ لأنّ ساركوزي لم يكن مجرد عميل للمال الليبي، بل تحالف مع الرباط لتثبيت شرعية احتلال الصحراء الغربية، مؤكداً «مغربية الصحراء» ورافعاً للمشروع المغربي الداخلي بخطابٍ سياسي مساندٍ بالكامل.

في هذا السياق، يظهر المخزن المغربي ليس كمستقبلٍ لعلاقات اقتصادية أو شراكات تنموية، بل كمسرّع لآليات غسيل الأموال والصفقات المشبوهة: نظام يستثمر تحالفه مع باريس ليغلف احتلاله ويبرّر عسكرة الجنوب الصحراوي المحتل، بينما يغلق ملف الفساد الداخلي ويترنّح تحت وعود «جيل زد» أو «العدالة الاجتماعية».

من “تمويل القذافي” إلى دعم المخزن

ساركوزي قبل أن يُسجن، عمل على مدّ شبكة علاقاته لتشمل المغرب: توقيع عقود ضخمة مع الرباط، زيارات رسمية، إعلانه بأن «مغربية الصحراء مسلّمة» — كلها كانت مسارات سياسية واضحة.

وما بين الصفقات الفرنسية المغربية، نجدت رابطة مالية قوية، شملت مؤسسات وسياسات مخفيّة. أما المخزن فاستثمر هذا الدعم الأوروبي ليبرّر احتلاله، ويغلق فم شريك دولي باسم «الدولة المستقرة».

رشيدة داتي—جواز المرور للمخزن

داتي، التي عملت وزيرة للعدل في فرنسا، تمتلك جذوراً مغربية، واستغلت ذلك الانتماء لتكون جسراً بين باريس والرباط. لكن تحقيقات فرنسية ربطتها بـ 900 ألف يورو من شركة صينية مع شركة رينو-نيسان، وبعلاقات مشكوك فيها مع مكتب محاماة قريب من ساركوزي، وهذا الربط المالي والسياسي يجعلها إحدى مكوّنات دورة «العلاقات المشبوهة» التي تسمح للمخزن بتعزيز وجوده الأوروبي، بينما يختبئ خلف «حوار ذكي» و«تعاون استراتيجي».

المنظومة المشتركة بين باريس والرباط

الأمر لا يقتصر على أفراد بل على بنى كاملة: تمويل انتخابي مشبوه، علاقات برأس المال، تعاون أمني في ملف الصحراء الغربية، وتقارب دبلوماسي درسته الخرائط بين النظامين. هذا التعاون يجعل فضائح ساركوزي ليست مجرد «حادثة فرنسية» بل جزءاً من لعبة دولية أكبر، ضمنها المخزن المغربي الذي يستفيد من الحماية السياسية والمالية الفرنسية لتغليف احتلاله وتجميل صورته، بينما الداخل يُقبض عليه بقسوة وعنف.

من الجزائر نرى ما يحدث بوضوح: النظام المغربي الذي يتباهى بـ«الوطنية» و«الاستقرار» لا يمكن أن يُنافسه أحد في لعبة المال والسلطة. في حين تُسجن رؤوس كبيرة في فرنسا ويُفتح باب التحقيقات، يبقى المخزن فوق المساءلة، يمارس لعبة النفوذ والعمليات الحصرية. السؤال الذي يُطرح: لماذا لا يُفتح الملف المغربي بنفس الجرأة؟ لماذا لا يُساءل عن تمويل حزبي أو صفقات احتلال أو تحالفات بالأسلحة؟

فضائح ساركوزي، وعلاقته بداتي، وتواطؤهما مع المخزن، ليست مجرد حكاية تديرها المحاكم الفرنسية، بل حكاية نظام عالمي للسلطة والمال. نظامٌ يرى بأن السيادة تُباع، وأن الشعوب تصبح أداة في خطابه، بينما تتستر الخنادق المالية والاحتلالية خلف ستار الدبلوماسية والعلاقات الخفية، تماما كما يفعل المخزن مع الصهاينة واليمين المتطرف الفرنسي والمحافظين الجدد في أمريكا.

من الجزائر، نقول بوضوح: لا شرعية لمن يشرب من كؤوس الفساد، ولا استقرار لمن يُمارس الاحتلال والصفقات السرية باسم «الأمن القومي» الوهمي والمزعوم. وإذا كان القضاء الفرنسي قد قال لأول مرة إن رئيساً مُدان، فمتى يُعلن الحساب في الرباط؟ ومتى تُفتح خزائن المخزن؟ ومتى تُرى الأموال التي تدفقت لدعم الاحتلال والاستثمارات الربحية بدل التنمية الحقيقية؟

إن العدالة لا تُطلب ببلاغات فقط، بل بإجراءات صارمة، وبشفافية لا مقايضة فيها. ونحن نراقب، ننتظر، ونطالب بأن تكون معادلة واحدة: المال المنهوب يُسجن ناهبه، والسلطة التي لا تُحاسب يُطاح بمن استولى عليها.

رابط دائم : https://dzair.cc/tzmc نسخ