الأستاذ عبد الرحمان بوثلجة: “إنجاح التعليم عن بعد وتعميم الرقمنة في الجامعات وتطوير الاقتصاد الرقمي بصفة عامة يحتاج إلى التكوين في تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة”

كحلوش محمد

ما لحظناه في الفترة الأخيرة من انتقادات وشكاوي من طرف بعض الطلبة بعد قرار الاعتماد على التعليم عن بعد في الجامعات الجزائرية، لتعويض التعليم الحضوري الذي توقف بسبب جائحة كوفيد 19، رغم كل الجهود التي قامت بها وزارة التعليم العالي من دفع للأساتذة في الجامعات بوضع الدروس عبر المنصات الرقمية المخصصة لذلك، يعود أساسا إلى عدم قدرتنا تعويض التعليم الحضوري بتلك الطريقة حصرا.  مما اضطر المؤسسات الجامعية إلى برمجة دروس حضورية لمراجعة ما تم وضعه من دروس في المنصات سواء كانت على شكل نسخة رقمية (word, pdf…) أو على شكل نسخة سمعية أو بصرية.

والسبب الرئيسي يعود أساس إلى غياب عامل مهم,  نسبة إلى الدروس الحضورية، وهو التفاعل بين الأستاذ والطالب والذي يرجع إلى أساسا إلى عدم القدرة على مسايرة و التمكن، لدى الطالب خاصة وحتى لدى بعض الأساتذة، في تكنولوجيا المعلومات والاتصال، التي تعرف تطورا متسارعا بصفة رهيبة. وهذا  والمشكل، أي التمكن في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، لا يطرح في الجامعات فقط ولكن أيضا  في كل القطاعات التي تعمل على تعميم الرقمنة في تسيير شؤونها، والدليل عزوف الكثير من المواطنين مثلا عن القيام بعمليات البيع والشراء عن بعد، باستعمال البطاقات البنكية أو البريدية الائتمانية المخصصة لذالك ، رغم ما توفره من جهد ووقت وسهولة في التنفيذ ورغم حاجتنا إلى هذا الأمر في هذا الوقت لتحقيق التباعد الاجتماعي لمجابهة وباء كورونا.

وإذا  أردنا أن نتكلم عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا نرى أن تطوير الاقتصاد الرقمي، الذي وضعته بلادنا في مقدمة الأولويات، لا يكون إلا بتكوين واسع في كل القطاعات وبسرعة وبصفة  دائمة في تكنولوجيا الإعلام والاتصال.

وعندما نتكلم عن التكوين فلا يجب أن  يقصد منه محو الأمية في ميدان تكنولوجيا الإعلام والاتصال  ونحن في عصر شبكة الجيل الخامس 5G، بقدر ما نتكلم عن التكوين في تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة NTIC  وفق إستراتيجية متكاملة وبصفة مستمرة لمسايرة التطور السريع في هذا المجال، ويجب أن يكون هذا معتمد بطريقة رسمية من المؤسسات وبالتعاون مع الشركات الرائدة في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة والمتخصصة في توفير البنية التحتية لها.

ولتحقيق هذا المسعى،  يجب أن يكون التكوين كشرط لممارسة الوظيفة او التثبيت فيها, كما هو معمول به في الجامعات، من خلال تكوين الأساتذة الجامعيين الجدد على منصة مودل Moodle أو بإبرام اتفاقيات شراكة مع مؤسسات كبرى في هذا المجال مثل ما قامت به جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا لإنجاح التعليم عن بعد، أو من خلال التحفيز والمنافسة مثل ما قام به العملاق العالمي شركة هواوي من خلال فرعها بالجزائر، على غرار ما تقوم به  في دول أفريقية أخرى مثل كينيا وإثيوبيا وجنوب إفريقيا  وغيرها،  من استحداث برامج التدريب والتكوين للطلبة وحتى الأطفال في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. والتي كان أخرها المسابقة التي شاركت فيها عشر فرق من مختلف مؤسسات التعليم العالي , مثل جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا وسعيدة , واحتل فريقان جزائريان مراتب مشرفة في المسابقة العالمية التي أجريت مؤخرا عبر تقنية التواصل عن بعد. وهو الشيء الذي يبعث روح المنافسة بين الطلبة على المستوى الوطني والعالمي.

وجدير بالذكر أن الشركة تستثمر في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات  في الجزائر من خلال إقامة إتفاقيات شراكة مع العديد من مؤسسات التعليم العالي، حوالي عشر مؤسسات حاليا،  وأسست أكاديمية هواوي في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الموجه لقطاع التعليم العالي ، وهي تقيم معرض التوظيف والتكوين  سنويا.

والأكيد أن  التكوين في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا يقتصر فقط على إنجاح التعليم عن بعد، من خلال التمكن في الاستعمال الأمثل للأجهزة الذكية وتقنيات الاتصال والتواصل بها، و لكن أيضا في بعث الإبتكار والإبداع وتطوير قطاع المؤسسات الناشئة التي تعطي الدولة لها الأولوية في ما يخص  الاستثمار في تعميم الرقمنة والبنية التحتية اللازمة لها،  مثل إنشاء شبكة معلومات خاصة بالمؤسسات  وحمايتها  وكيفية توصيل المعلومات بين موظفيها ، مستخدميها أو زبائنها،  ولا شك بأن عقد شراكة وتعاون مع شركات كبرى في هذا المجال ستستفيد منه بلادنا في نقل التكنولوجيا التي تتطور بطريقة جد سريعة.

عبد الرحمان بوثلجة أستاذ باحث ومختص في الاعلام و الاتصال الجامعي

شارك المقال على :