5 سبتمبر، 2025
ANEP الجمعة 05 سبتمبر 2025

230 عاماً من الصداقة الجزائرية–الأمريكية: من معاهدة السلام إلى الشراكة الاستراتيجية

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
230 عاماً من الصداقة الجزائرية–الأمريكية: من معاهدة السلام إلى الشراكة الاستراتيجية

تحيي الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، يوم السبت 5 سبتمبر 2025، الذكرى الـ230 لإبرام معاهدة السلام والصداقة التي وقّعها حسن باشا داي الجزائر والرئيس الأمريكي جورج واشنطن عام 1795، في حدث تاريخي جعل من الجزائر أول دولة تعترف بالولايات المتحدة وتؤسس لعلاقة ثنائية قائمة على الاحترام المتبادل. هذه المناسبة تمثل فرصة لاستحضار الظروف التي قادت إلى الاتفاق، والوقوف على مسار العلاقات الجزائرية–الأمريكية منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.

ظروف إبرام المعاهدة: المتوسط في قلب التوازنات

أواخر القرن الثامن عشر، كانت الولايات المتحدة قد خرجت حديثاً من حرب الاستقلال، تسعى لإثبات وجودها كدولة فتية تبحث عن موطئ قدم في التجارة العالمية. في المقابل، كانت الجزائر قوة بحرية بارزة في المتوسط تفرض سيطرتها على طرق الملاحة، ما جعلها لاعباً أساسياً في أمن التجارة البحرية.
تعرضت السفن الأمريكية خلال تلك الفترة لتهديدات مستمرة في المتوسط، ما دفع إدارة جورج واشنطن إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع الجزائر. وفي 5 سبتمبر 1795 تم التوصل إلى معاهدة السلام والصداقة، التي ضمنت حرية الملاحة للسفن الأمريكية مقابل التزامات مالية ودبلوماسية، وأكدت في الوقت نفسه على عدم بيع السفن الجزائرية إلى دول في حالة حرب مع الولايات المتحدة.

معاهدة برؤية بعيدة المدى

نصت المعاهدة على مبادئ واضحة: احترام السيادة، عدم الاعتداء، وحماية المصالح التجارية المتبادلة. وبذلك مثلت أول اعتراف أمريكي بأهمية الجزائر كقوة إقليمية في المتوسط، كما كرست لدى الجزائريين صورة الولايات المتحدة كشريك يسعى إلى التعاون لا المواجهة.

ومنذ توقيع المعاهدة، تدرجت العلاقات الجزائرية–الأمريكية عبر محطات عديدة. فبعد أن كانت الجزائر أول دولة تعترف بالولايات المتحدة، لعبت الأخيرة لاحقاً دوراً إيجابياً خلال حرب التحرير الجزائرية حين تعالت الأصوات في واشنطن المطالبة بإنهاء الاستعمار الفرنسي. ومع استقلال الجزائر عام 1962، فتحت صفحة جديدة من العلاقات الثنائية، سرعان ما توسعت لتشمل التعاون في مجالات الطاقة، التعليم، والأمن.
وفي العقود الأخيرة، تعززت الشراكة في مجال الطاقة حيث تُعتبر الجزائر مورداً موثوقاً للغاز الطبيعي، كما نسقت مع الولايات المتحدة في قضايا مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. كذلك، نشطت برامج التبادل الأكاديمي والثقافي التي فتحت آفاقاً جديدة للتقارب بين الشعبين.

ويظلّ القاسم المشترك الأبرز في العلاقة بين الجزائر وواشنطن متمثلا في منظومة القيم: الدفاع عن الحرية، تقرير المصير، واحترام سيادة الدول. وهي نفس المبادئ التي نُص عليها في معاهدة 1795، ولا تزال تجد صداها اليوم في مواقف البلدين الداعية إلى الحلول السلمية للنزاعات ودعم الشعوب في حقها في تقرير مصيرها.

وغالباً ما تُشير الخارجية الأمريكية وسفارتها في الجزائر إلى معاهدة 1795 باعتبارها دليلاً على عمق الروابط بين البلدين. ففي بيان سابق للسفارة الأمريكية بمناسبة ذكرى استقلال الجزائر، تم التذكير بأن الجزائر كانت أول دولة توقع معاهدة سلام وصداقة مع الولايات المتحدة، وأن هذا الإرث التاريخي “يظل مصدر إلهام لتقوية الشراكة الاستراتيجية اليوم”. كما أكد مسؤولون أمريكيون في مناسبات متعددة أن العلاقة مع الجزائر “تستند إلى أكثر من قرنين من التاريخ المشترك، وتستشرف قروناً أخرى من التعاون البنّاء”.

230 سنة من الصداقة: نحو آفاق جديدة

إحياء ذكرى 230 سنة على المعاهدة يمثل فرصة لكلا البلدين لإعادة التأكيد على التزامهما بتعزيز التعاون في المستقبل. فالتحديات الراهنة، من انتقال الطاقة إلى الأمن الغذائي، تفتح مجالات جديدة للتعاون يمكن أن تجعل من الشراكة الجزائرية–الأمريكية نموذجاً في التكيف مع المتغيرات الدولية.

فمنذ 5 سبتمبر 1795 حين اجتمع البحر الأبيض المتوسط بالولايات المتحدة في معاهدة غير مسبوقة، وحتى 5 سبتمبر 2025 حيث نحتفي بمرور 230 سنة على هذا الحدث، ظل خيط متين يربط الجزائر وواشنطن. إنها علاقة ليست وليدة الصدفة ولا الطارئ، بل إرث تاريخي عميق يعكس رؤية بعيدة المدى ويؤسس لشراكة استراتيجية تقوم على الاحترام والثقة المتبادلة. وفي عالم مضطرب يبحث عن الثوابت، تظل معاهدة الجزائر–أمريكا واحدة من أبرز الشواهد على إمكانية الجمع بين التاريخ والمستقبل في إطار من الصداقة الصادقة والتعاون البناء.

رابط دائم : https://dzair.cc/cshm نسخ