ضعف النظرية من قوة الطبيعة … اللبرالية، الماركسية ، الشيوعية …بقلم هاجر ميموني 

مروان الشيباني

ضعف النظرية من قوة الطبيعة … اللبرالية، الماركسية ، الشيوعية …بقلم هاجر ميموني

ولد الإنسان صفحة بيضاء ،ليست له قدرة وهو رضيع على تلقي التعلم وتمييز الأشياء أو قضاء حاجياته بنفسه، ولا يستطيع تناول ثدي أمه بيديه أو الرضاعة الصناعية ولا يعرف شيئا، لكن الله عز وجل فطره حين ولد على عملية المص، فلمّا تضع والدته ثديها في فمه أو الرضاعة الصناعية، يقوم من تلقاء نفسه بدون أي مساعدة بعمليّة المصّ لإشباع حاجته من الحليب وسد جوعه، فهنا عملية المصّ لم يتعلمّها من أيّ أحد، كما فطره الله على فطرة أخرى هي البكاء، وهي وسيلة التعبير الوحيدة التي تولد معه، فحين يجوع أو يتألم يستعمل هذه الفطرة لينبه من حوله إلى حالته، لكن فطرة الإبتسامة و التبسم والضحك لا تولد معه يوم ولادته، بل تنشأ لديه مع الوقت، فيتعلمها في مراحل فطامه، بداية من الشهر الثاني تكون الإبتسامة هي البارزة عنده، ثم تنمو فيه هذه الغريزة إلى أن تصل إلى الضحك.

وفطرة المص التي فطر عليها لإشباع حاجته من الجوع تتطور بتطور نموه، وتبقى فطرة البكاء الوسيلة التي يستعملها حين يجوع أو يتألم، لكنه وعندما يتكلم يعبر عنها بسلوكات أخرى منها الكلام، وكلما كبر تزداد حاجاته للأكل وأشياء أخرى من أجل العيش، وأول ما يكتشفه هو أن بقاءه حيا مرتبط بطعامه وشرابه وحاجاته الأخرى التي تمكنه من العيش والبقاء حيا، فيعرف أن الجوع قاتل، و معرفته هاته لها دور مهم في حياته، فتنشأ عنده سلوكات الرغبة في ضمان طعامه وشرابه ومستلزمات عيشه، فتشتد هذه الرغبة كلما كبر عمريا، في نفس الوقت تكبر معها متطلبات الحياة، وتكبر أيضا غرائزه الأخرى كلما كبر، فيشغِّل تفكيره مع مراحل نموه ليبحث لنفسه عن مصادر توفيرها بسهولة، وإذا تعذر عليه ذلك يبدأ التفكير عن الكيفية التي يتحصل بها عليها لإشباع رغباته.

وتلازمه هذه السلوكات مادام حيا، وتتطور أيضا إلى أن يصير إنسانا مكتمل العقل وبالغا، وتتدخل التربية والأخلاق في تهذيبها، ويلعب فيها الدين دورا هاما، فإذا نجحت التربية والأخلاق والدين في تهذيبها تسير حياته على سنن الإنسان الطبيعي، ويحدث لتفكيره أن يشتغل وينحى المنحى السليم، فينتج بجهده الفكري الأشياء الجميلة التي لا تناكفها الطبيعة الإنسانية، كما ينتج بجهده العضلي الأشياء الجميلة التي تساعد على تذليل العيش، فيستفيد ويفيد غيره كذلك، لتصير حياته في المجمع سعيدة.

وإذا فشلت التربية والدين في تهذيب رغباته تضمحل معها أخلاقه، وقد تنمو فيه سلوكات قبيحة لا يعير معها أهمية لأي عرف أو مبدأ خالفه من أجل إشباع رغباته. وتتخذ طابع الشذوذ إذا فكر في الاستحواذ على أكثر مما يلزمه، فيجد نفسه تحت الضرورة يفكر عن الكيفية التي يفي بها تحصيل أكبر قدر من مستلزماته المادية، ويستخدم في ذلك ما هو متاح بين يديه وشرعي في اعتقاده، ليضفي على سلوكاته الطابع المباح، وإذا استلزم الأمر في منظار اللزوم عنده، الاعتداء على حقوق غيره لتحقيقها يفعل ذلك، ويحاول إيجاد مبررات عن ذلك حتى وإن كان في قرارات نفسه غير مقتنع بتلك المبررات، وهنا تبدأ مشاكله.

إذا كانت الغرائز تولد مع الإنسان صغيرة وتكبر معه، وتصبح هي المسؤولة في تشكل نوعية سلوكياته، فقد تفطن إليها الإنسان، منذ القدم ، ومنذ أن جعل “فيثاغورس 572 ـ 497 ق.م” حب الحكمة هو البحث عن الحقيقة، نشأة الفلسفة على هذه القاعدة كعلم يتعمق بالدراسة في التفكير في طبيعة التفكير في الكون والوجود، إلى عهد الإغريق الذين أسّسوا قواعد الفلسفة الأساسية، إلى عهد الفلاسفة المسلمين، حتى العصر الحديث، ومازال البحث والدراسة جارية.

وكنتيجة حتمية لما توصل إليه البحث الفلسفي من نظريات وقواعد، كان لزاما على الفلسفة أن تنشأ لنفسها فروعا لها، وقد نشأ في رحابها علم الإجتماع، وانصب هذا العلم يبحث ويدرس أيضا عدة أمور منها: التفاعلات الإنسانية في تبادلاتهم وعلاقاتهم، وتفرع عن تخصصات عدة. ولما كان الأمر كله يستند إلى محرك رئيسي في الوجود منبعه نفسية الإنسان، فقد نشأ علم النفس كعلم مكمل لما توصلت إليه الفلسفة وعلم الإجتماع، ليدرس السلوك الإنساني المتسم دوما بالنشاط ، وقد تفرع هو أيضا إلى عدة تخصصات.

لكن لا الفلسفة، ولا علم الإجتماع، ولا علم النفس أعطى إجابات حاسمة ونهائية تهتدي إليها الإنسانية في حياتها حتى وإن تصدت هذه العلوم لعدة إشكاليات، تبقى قاصرة ولم تخلص الإنسانية من عدة تراكمات تشكلت مع أوجه تاريخ الإنسانية المشترك، البائسة منها والرديئة، وأوجه تاريخها المشترك والمشرق. وكنتيجة حتمية لنشأ وتطور سلوكات الإنسان من رغبة في ضمان طعامه وشرابه ومستلزمات عيشه، يشغِّل تفكيره في الكيفية التي يتحصل بها عليها. فتصير حياته تسير على هذا النحو، مستخدما في ذلك من أجل صياغتها نظريات لتصبح عنده مشروعة. وهو ما أدى إلى نشأة الشيوعية الماركسية، ففي القرن التاسع عشر الميلادي،…

جاء كارل ماركس بأفكاره،وهي تستند إلى أفكار من سبقوه، واستطاع أن يجند لها أتباعا، وارتكزت هذه النظرية على مبادئ تناكف الطبيعة الإنسانية. وأهم مبدأ عند الإنسانية عادته هو الأديان السماوية. ولأجل تحقيق مبادئها لم تُعر أي اهتمام للرأي والرأي الآخر، متخذة الشدة والصرامة في بسط نفسها على الناس. وتتخذ من معادات اللبرالية منطلق لتمددها، وكانت هذه النظرية تدلس على نفسها حين رأت أن “ليس الوعي الاجتماعي هو الذي يحدد الوجود الاجتماعي، وإنما الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي الاجتماعي”. ولم يثبت تاريخ الإنسانية يوما لحقبة تاريخية منه وأن كانت المصالح الاجتماعية للإنسانية موحدة، أو صراعا ضد الرأسمالية، وللطبيعة قوانينها التي تسيرها، في حين أن الإنسان تتشكل منه الأسرة والحي والمدينة والمجتمع، وينتج مع الطبيعة مجموعة علاقات إنسانية، هذه العلاقات تستطيع أن تحدث تغيرات في عالم الطبيعية تنسجم مع قوانين الطبيعية، وإذا تعذر على هذه العلاقات الإنسانية من تغير في عالم الطبيعة لقوتها. يكيف القوانين الإجتماعية بتغييرها مع الطبيعة.

فلم تستطع الماركسية منذ نشأتها أن تحل أزمات إنسان عصرها بشكل قطعي، على الرغم من وضع مصالح الطبقة العاملة في أولوياتها، وتأييدها صراعات الشعوب في التحرر، لما تقتضي مصلحة الطبقة العاملة العالمية ذلك. لكنها فشلت في حسابات كثيرة منها بالأخص:
ـ معاداة المحرك الأساسي في نفسية الإنسان، وهو: الديانات.
ـ معاداة مبدأ الملكية؛ حين جعلتها تقتصر على الدولة بما فيها وسائل الإنتاج وجعلته مبدأ أساسيا لها.

وهو ما يقيد بشكل أو آخر عملية الإنتاج. وإذا سلمنا أن الإنسان هو محرك الحركة الإجتماعية في مجتمعه فلا يتم أي تطور بدونه، فإن تقييده وإلزامه بأي لزوم حتى يعتنقه بعيدا عن حريته يحد من تفتق مواهبه لأسباب السلوكات الفطرية التي ولد عليها، والتي تطورت مع نموه، وأدت إلى تشكل الرغبة فيها في ضمان طعامه وشرابه ومستلزمات عيشه، فتشتد وتكبر معها متطلبات حياته مع نموه وتطوره، تجعله يتوق دائما للمزيد وللأحسن، تماشيا مع الطبيعة. ولما يصطدم بإشكالات ينحى تفكيره منحنيات غير التي فرضت عليه ويبدأ الوعي الإجتماعي عنده يطور ويتحول، وهو ما يؤدي به إلى ترك طواعية الأفكار التي جعلته محولا غير طبيعي في اعتناق نظرية أو مذهب معين، ولما لا يجد لنفسه حلا أنتجه بأفكاره يقفز في المجهول وإلى الشد فيما وجده من نظريات أخرى رأى فيها مخلصه. وذلك ما أدى إلى تقهقر الماركسية في أواخر القرن الماضي.

من جهة أخرى لم تكن الإنسانية بقوة الطبيعة على فكر واحد، فكما ذكرنا الإنسان هو المحرك الأساسي للمجمع، فيستخدم في حراكه أفكاره التي يصوغها مع تطوره ذلك من أجل صياغتها نظريات لتصبح عنده مشروعة، وهو ما أدى إلى نشأة الليبرالية:

على الرغم من المبدأ الفضفاض الذي تأسست عليه هذه النظرية، وهو الحرية والمساواة، إلا أنها لم تجد للإنسانية الحل الأمثل لمشاكلها، فليست إشكالية الإنسان مقتصرة على حرية التعبير، حرية ممارسة الشعائر الدينية، حرية الصحافة، حرية السوق، والديمقراطية، فالإنسان الذي يحرك المجتمع تتعدى طموحاته لأكثر من ذلك، فحين توفر له هذا الجو، يكون مقيدا مثله مثل الإنسان الذي يعيش في مجتمع ماركسي بمجموعة من المبادئ التي تحكم المجتمع وتتشكل منها الدولة وأخطرها التمثيل، هذا التمثيل له وجهان: وجه حميد حين تمارسه نخب وصفوة المجتمع، أما حين يمارس من غير نخب وصفوة المجمع، فجميع المبادئ التي قامت عليها هذه النظرية تحرف، وتصبوا الممارسات بعد ذلك إلى أشياء مضرة بحرية الإنسان، وما أدل على ذلك نشوب حربين عالميتين، وغزو دول وإهدار حقوق أمم وشعوب، فالحرية والمساواة التي تزعم هذه النظرية أنها تأسست للدفاع عنها، تحولت إلى الدوس عنها، لا لسبب إلا أن الغرائز الإنسانية التي تولد وتتطور مع الإنسان هي التي تدير وتسير أي نظرية وأخطر هذه الغرائز، حب السيطرة على الغير وإخضاعه.

حقيقة تعد مبادئ الحرية من أهم المبادئ في بناء الإنسان، وقد تمكنت الدولة اللبرالية من خطوات هامة في المجال الاقتصادي، تمخض عنها نمو رهيب للصناعات والتكنولوجيا، لكنها أخضعتها للاحتكار، وهو ما يعرضها لمناكفة مبادئها، فكيف يعقل إذا صحت مبادئها، أن لا تعير اهتماما للإنسان العالمي الذي يفتقد لحريته ويعاني الفقر و الاستعمار، ألم ترتكب دول ليبرالية اعتداءات على شعوب واحتلالها تحت مصوغات واهية.

وعلى الصعيد الاجتماعي فقد حققت طفرات نوعية لم تصل بها إلى حد الحسم في إشكاليات المجتمع في الجانب الإجتماعي لأنها أعطت لإشباع الرغبات الحيز الكبير من التفكير، وتركت الجانب الروحي يتقهقر، ولا غرابة من ظهور “الزواج المثلي” والتفكك الأسري، وتزايد حالات الانتحار.

وتعاني هذه النظرية في العصر الحالي عدة تناقضات نتجت عن تراكمات ظلت بغير حلول، هذه التراكمات لو تم التصدي لها في حينها لأستطاع الإنسان أن يواكب الطبيعة بتكييف تفكيره معها، وحتى وإن فعل لا يدرك كل شيء، لأن قوة الطبيعة هي التي تنتصر على أي نظرية.

#هاجر_ميموني

شارك المقال على :