29 سبتمبر، 2025
ANEP الاثنين 29 سبتمبر 2025

أكاذيب “قناة العربية” تولد ميتة… والتاريخ يحيا باسم الجزائر… بقلم الصحفي محمد كحلوش

نُشر في:
بقلم: محمد كحلوش
أكاذيب “قناة العربية” تولد ميتة… والتاريخ يحيا باسم الجزائر… بقلم الصحفي محمد كحلوش

لم يعد مستغربًا أن تتحول بعض القنوات الفضائية إلى منصات لتصفية الحسابات السياسية، لكن أن يصل الأمر إلى العبث بالذاكرة الجماعية للأمة العربية عبر استدعاء صوت الراحل جمال عبد الناصر ضد الجزائر، فذلك يعكس انحدارًا غير مسبوق في الممارسة الإعلامية.

ما قامت به قناة العربية، بنشرها مقطعًا مشبوهًا ومنسوبًا زورًا لعبد الناصر، ليس مجرد خطأ مهني، بل هو فعل متعمّد يدخل ضمن أجندة تستهدف الجزائر ومواقفها المبدئية..

ورغم أن هذا المقطع مغلوط قطعا، إلا أن توقيت نشره والسياق الذي أُخرج فيه لا يمكن قراءتهما بمعزل عن محاولة متعمدة للنيل من صورة الجزائر وتشويه دورها التاريخي والحاضر في نصرة القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

قناة العربية.. من الإعلام إلى التضليل

منذ سنوات، لم تُخف قناة العربية انحيازها لخطابات تتقاطع مع سياسات معروفة في المنطقة، غير أنّ واقعة الفيديو المضلل تكشف أن الهدف اليوم هو الجزائر تحديدًا، عبر محاولة ضرب رصيدها التاريخي وإظهارها في صورة سلبية أمام الرأي العام العربي. إن هذا الأسلوب الرخيص لا يخدم لا الحقيقة ولا المهنية، بل يفضح نوايا سياسية بحتة.

التلاعب بالرموز التاريخية

جمال عبد الناصر ليس مجرد رئيس مصري سابق، بل رمز لحركة التحرر العربي وأحد أبرز الداعمين للثورة الجزائرية. لقد كانت مصر الناصرية من أولى الدول التي وقفت إلى جانب الجزائريين في كفاحهم ضد الاستعمار الفرنسي، لذلك، فإن استعمال صوت عبد الناصر اليوم لتوجيه رسائل مغرضة ضد الجزائر يُعدّ ضربًا من التلاعب بالذاكرة الجماعية، ومحاولة لتزوير حقائق تاريخية راسخة.

الجزائر.. ذاكرة الثورة ومرجعية النضال

الجزائر التي قدّمت ملايين الشهداء، لم تكتف بالتحرر من الاستعمار، بل تحولت إلى قبلة لكل حركات التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. من كوبا في أقصى الغرب إلى فيتنام في أقصى الشرق، كان اسم الجزائر يُذكر باعتبارها بلدًا احتضن الثوار ووفّر لهم الدعم السياسي والمادي.

لم يكن ذلك ترفًا سياسيًا، بل قناعة راسخة بأن الحرية لا تتجزأ، وأن استقلال الجزائر لن يكتمل إلا بتحرر الشعوب الأخرى.

الجزائر في عيون عبد الناصر… من وقفة 1967 إلى ملحمة 1973

لم تكن الجزائر بالنسبة إلى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مجرّد بلد شقيق خرج لتوّه من الاستعمار الفرنسي، بل كانت رمزًا حيًّا للإرادة الثورية والدعم غير المشروط للقضايا العربية.

ففي أعقاب نكسة 1967، وقف عبد الناصر أمام شعبه وأمته العربية، ليعترف بالهزيمة العسكرية ويعلن بدء معركة الصمود، لكنه لم ينسَ أن يثمّن مواقف الدول التي سارعت إلى المساندة، وعلى رأسها الجزائر بقيادة الرئيس الراحل هواري بومدين.

عبد الناصر قالها بوضوح آنذاك: الجزائر كانت أوّل من عرضت إرسال الطائرات والجنود، ولم تتردد في وضع إمكانياتها العسكرية تحت تصرّف مصر. لم يكن ذلك مجرّد تضامن شكلي، بل خطوة عملية تُرجمَت على الأرض بإرسال أسراب من الميغ وكتيبة مدرعات ومئات الجنود.

كان عبد الناصر يعتبر ذلك الموقف الجزائري دليلًا على أنّ الثورة التي أسقطت الاستعمار الفرنسي لم تكن محصورة داخل حدودها، بل هي ثورة تحمل هوية الأمة كلها.

ذلك الدعم الجزائري في سنة 1967 لم يكن نهاية المطاف، بل كان مقدّمة لدور أكبر في حرب أكتوبر 1973، حين ساهمت الجزائر سياسيًا وماليًا وعسكريًا في دعم الجبهة المصرية والسورية. فقد أرسلت الجزائر قوات إضافية، وفتحت خزائنها لدعم المجهود الحربي، وأثبتت أن موقفها لم يكن ظرفيًا أو عاطفيًا، بل خيارًا استراتيجيًا ثابتًا.

تصريحات عبد الناصر عن الجزائر ليست مجرد وثيقة تاريخية، بل شهادة دامغة على أن التضامن العربي حين يكون صادقًا وصادرًا من إرادة الشعوب، يترك أثرًا لا تمحوه لا النكسات ولا محاولات التضليل.

اليوم، حين تحاول العربية وأشباهها تشويه دور الجزائر أو التقليل من مواقفها، يكفي أن نسترجع كلمات عبد الناصر لنفهم أن التاريخ لا يُزوَّر بسهولة، وأن الجزائر كانت وستبقى في طليعة المدافعين عن القضايا العادلة.

فلسطين.. القضية المركزية

منذ استقلالها، اعتبرت الجزائر أن فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية. رفعت شعار “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، واحتضنت قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، ووفّرت لها الدعم المادي والسياسي. بل إن إعلان قيام دولة فلسطين عام 1988 تم من أرض الجزائر، وهو حدث يختزل عمق العلاقة التاريخية بين الشعبين.

حتى اليوم، تواصل الجزائر تمسكها بمبدأ لا يتزحزح: رفض التطبيع، والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

الحاضر امتداد للماضي

اليوم، وهي تواجه حملات إعلامية مسعورة، لا تدافع الجزائر فقط عن صورتها، بل عن فكرة أعمق: أن هناك دولًا لا تُشترى ولا تُباع، ولا تساوم على المبادئ. في زمن الارتباك السياسي والانبطاح الإعلامي، تبقى الجزائر صوتًا حرًا يُذكّر الجميع أن الحق لا يُقاس بموازين القوة بل بميزان التاريخ والعدالة.

الموقف الجزائري لم يتغير رغم تقلبات الزمن. في القضايا الإفريقية، كانت الجزائر دائمًا نصيرة لحلول السلم والعدل، وفي المحافل الدولية تواصل الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها. أما في فلسطين، فتظل الجزائر آخر قلاع الصمود الرافضة للتطبيع ولأي مقايضة على الثوابت. ولهذا بالذات، تصبح عرضة لحملات إعلامية مضللة تسعى لتشويه صورتها والتشكيك في تاريخها.

حادثة التضليل التي ارتكبتها قناة العربية ليست مجرد سقطة إعلامية، بل حلقة ضمن مسلسل أوسع يستهدف الجزائر ومواقفها المبدئية، لكن الحقيقة أن التاريخ لا يُزوّر بمونتاج، والذاكرة الجماعية للشعوب لا تُمحى بمقطع عابر.

الجزائر التي وقفت بالأمس مع مصر في حربها، ومع فلسطين في نضالها، ومع شعوب العالم في تحررها، ستظل صوتًا حرًا يرفض الخضوع للابتزاز الإعلامي أو السياسي، فالجزائر لم تكن يومًا دولة هامشية، بل كانت وستبقى ضمير الأمة العربية وحصنها الأخير في الدفاع عن القضايا العادلة.

قناة العربية، بمحاولتها الفاشلة للنيل من الجزائر، لم تُسقط الجزائر بل أسقطت ما تبقى من مصداقيتها. فالأوطان التي بُنيت بالدم والتضحيات لا تُهزّ بمقاطع مفبركة، ولا تُشوّه بروايات مسمومة. الجزائر التي نصرت القضايا العادلة بالأمس، ستبقى حاضنة لها اليوم وغدًا.

وإذا كانت بعض الأبواق الإعلامية تظن أن بإمكانها تزوير الذاكرة، فإن الشعوب تعرف الحقيقة: الجزائر ليست خصمًا للأمة، بل حصنها الأخير في مواجهة الانكسار.

رابط دائم : https://dzair.cc/65k2 نسخ