تطرقت مجلة الجيش في افتتاحية عددها الأخير إلى الذكرى الحادية والسبعين لاندلاع الثورة التحريرية المظفرة في الفاتح من نوفمبر 1954، مؤكدة أن هذا الحدث التاريخي الخالد شكّل نقطة تحوّل مفصلية في مسار كفاح الشعب الجزائري من أجل الحرية والسيادة الوطنية.
افتتاحية مجلة الجيش:
تاريخ بلادنا زاخر بالمحطات الناصعة والأيام الخالدة، التي صنعت مجد الجزائر وكبرياءها ورسمت معالم مستقبلها، ولعل أبرزها اندلاع ثورتنا التحريرية المجيدة يوم الفاتح نوفمبر 1954، التي نحيي هذا العام ذكراها الحادية والسبعين، وهي ملحمة أزلية كتب فصولها الشعب الجزائري المكافح بأحرف من ذهب ستبقى أبد الدهر مـحفورة في سجل التاريخ الإنساني كواحدة من أعظم ثورات التحرر في العالم، تردد صداها في كل أصقاع الدنيا، بفضل أبنائه البررة الذين برهنوا عن عبقرية متقدة وإيمان عميق بعدالة قضيتهم، وإصرار منقطع النظير على استرجاع الحرية والاستقلال مهما كان الثمن والتضحيات.
فقد حبا الله بلادنا برجال وطنيين مـخلصين، ضحوا بكل غال ونفيس من أجل نصرة الوطن، ليبقوا بمآثرهم خالدين في ذاكرة الأجيال المتلاحقة، كيف لا وهم عظماء نوفمبر الذين أججوا جذوة التحرر التي لم تأفل في قلوب الجزائريين ولم تخفت شعلتها يوما بدءا بالمقاومات الشعبية، مرورا بالنضال السياسي وصولا إلى ثورتنا المجيدة، فكتبوا التاريخ بأنفسهم وشكلوه تبعا لمشيئتهم ووفقا لإرادتهم وطموحاتهم، مـحددين طريق مستقبل مشرق لنا ولكل الشعوب التي عانت من الظلم والقمع والاستغلال والهوان، متحدين غطرسة وعنجهية مستدمر غاشم، حاول بكل الأساليب المقيتة إبقاء الشعب الجزائري تحت نير الذل والعبودية والطغيان، ممارسا في حقه أبشع طقوس التعذيب والتنكيل والبطش ومرتكبا أفظع الجرائم التي لا تسقط بالتقادم ولا يمحوها الزمن.
وإذ نحتفي بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا جميعا، بقدر ما نستحضر قيم أسلافنا الأمجاد ومبادئهم السامية وخصالهم العظيمة وكلنا فخر واعتزاز بما أنجزوه، فإننا مدعوون إلى اقتفاء أثرهم والسير على نهجهم، ونحن مدركون تمام الإدراك أنهم ما انتصروا ولا حققوا المبتغى والغاية إلا بالوحدة والتماسك والانسجام والتضامن، والالتفاف حول هدف واحد هو استرجاع السيادة الوطنية، وهي القيم ذاتها التي يتحلى بها كل الجزائريين اليوم، ويعضون عليها بالنواجذ، وذلك ما أثبتوه بتجندهم الواسع ومشاركتهم القوية في حملة التشجير الكبرى التي شهدتها كافة ربوع وطننا يوم 25 أكتوبر الفارط، في رسالة بالغة الدلالة للعالم أجمع، مفادها أننا جسد واحد وقلب واحد، وأن وحدتنا هي التي تشد عضدنا وتقوي سواعدنا لبناء جزائر جديدة منتصرة، قوية، مزهرة وآمنة، لاسيما في ظل ما تتسم به الأوضاع الإقليمية والدولية من تجاذبات وتوترات، وما يحاك ضد بلادنا من مؤامرات خفية ومعلنة، ومـخططات خبيثة تحاول استهداف أمن وطننا واستقراره وطمأنينة شعبه، وهو ما أكده رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني السيد عبد المجيد تبون قائلا: “إننا في هذه الذكرى الحادية والسبعين لاندلاع ثورة التحرير المجيدة، وإذ نحتفي باعتزاز بأمجاد أجيال خاضت معارك لم تهدأ في كل ربوع الجزائر، إنما لنجعل من الوفاء لتضحياتهم مصدرا لقوة العزيمة، ومنبعا أصيلا يتغذى منه وعي جماعي موصول بتاريخنا المجيد، وهو البوصلة التي توجه الجزائر في هذه المرحلة الدقيقة، نحو تثبيت ركائز الدولة الوطنية الصاعدة، ونحو إذكاء الروح الوطنية الجامعة لعزائم الوطنيين المخلصين، وللطاقات الفاعلة الحية وخاصة الشباب، لضمان حصانة البلاد إزاء الأوضاع المضطربة في فضائنا الإقليمي، وما يعرفه العالم اليوم من صراعات حادة، ومن تصدعات في العلاقات الدولية”.
إن الانتصارات العظيمة التي حققتها بلادنا طيلة مسيرتها المظفرة، صنعتها عزيمة فولاذية لا تقهر لشعبها النبيل وجيشها الباسل، وسعي لا ينقطع لإبقاء الصفوف متراصة متماسكة، ويقين راسخ بأن الوحدة الوطنية هي الركيزة الصلبة والضمانة الأكيدة للحفاظ على الوطن وتوطيد دعائم أمنه واستقراره ونهضته، وهي وحدة شكلت على الدوام، مثلما تشكل اليوم أيضا، بوتقة الوطنية الحقة التي انصهر فيها الشعب الجزائري مع جيشه الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، الذي صان الأمانة وحافظ على الوديعة، وكان على الدوام الخادم الوفي للوطن وللشعب الجزائري الأبي الذي يجسد بتلاحمه مع جيشه أنموذجا فريدا في الوحدة والتآخي ونكران الذات، بما يمكن بلادنا من رفع كافة التحديات ومجابهة كل التهديدات مهما كان نوعها ومصدرها، وهو ما أبرزه السيد الفريق أول السعيد شنڤريحة، الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي بقوله: “ترسيخا للطابع الشعبي لجيشنا العتيد، سعينا في الجيش الوطني الشعبي، ولا نزال نسعى للتعزيز المتواصل لثقة الشعب بجيشه، التي بها وبها فقط، تكتسب الجزائر مناعة وهيبة تتحصن بهما من كل المخاطر والتهديدات، وتصبح معهما عصية على تكالب أعدائها وعن دسائسهم ومناوراتهم الخبيثة”.
إن المتمعن في ثنايا تاريخنا المجيد، يدرك دون عناء أن استعادة سيادتنا الوطنية كان ثمنها باهضا جدا، دفعه الملايين من أبناء الجزائر الشرفاء، الذين قدموا أسمى التضحيات طيلة الليل الاستدماري الطويل، وهي تضحيات لم يتوان أبطالنا الأشاوس، شهداء الواجب الوطني، عن مواصلة بذلها للحفاظ على أمن واستقرار بلادنا ضد الإرهاب الهمجي الذي تمكنت الجزائر من دحره واجتثاثه.
الجزائر التي ستظل شامـخة وقوية وآمنة طالما هناك وطنيون أوفياء، ومنهم أبناء الجيش الوطني الشعبي، المرابطون على ثغور الوطن وعبر كافة حدوده المديدة، وهم يؤدون مهامهم على الوجه الأكمل، مواصلين بكل ثقة وثبات تطوير قدرات قواتنا المسلحة، سندهم في ذلك عمقهم الشعبي الأًصيل، لا غاية لهم سوى صون وديعة شهدائنا الأبرار الذين ترفرف أرواحهم حولنا لتشهد على وفائنا للوعد وإنجازنا للعهد.
