الجمعة 27 جوان 2025

إيران ترسم معادلة النار: من الجزائر إلى بغداد… فجاكرتا وهافانا، الشعوب تهتف لمن كسر جدار الصمت وأعاد تعريف الردع… بقلم د. هناء سعادة

نُشر في:
بقلم: د. هناء سعادة
إيران ترسم معادلة النار: من الجزائر إلى بغداد… فجاكرتا وهافانا، الشعوب تهتف لمن كسر جدار الصمت وأعاد تعريف الردع… بقلم د. هناء سعادة

بقلم: د. هناء سعادة

أشعلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية فتيل التحوّل لا عبر خطابات معلّبة ولا بيانات دبلوماسية باردة، بل عبر نيرانٍ موجهة وصواريخ ذكية دكّت الحصون واخترقت الكبرياء العسكري الغربي. لم يكن الردُّ الإيراني مناوشة عسكرية عابرة، بل كان بيانًا جيوستراتيجيا مكتوبًا بمداد القوة، يعلن نهاية مرحلة طالما سيّد فيها الغرب مسرح الردع بجبروت مُتوهَّم. ففي لحظة خاطفة، قلبت طهران المعادلة، وأسقطت الأقنعة الزائفة، ومزّقت الهالة المصطنعة للتفوق الصهيوني-الأمريكي، لتثبت أن في زمن الانحناء، لا يعلو إلا صوت السيادة.

سقطت القبة…  وتفجّر الوعي العربي والإسلامي

ضربت إيران، فدوّت ضربة المجد في كل اتجاه. اخترقت صواريخها الذكية ما سُمّي لعقود بـ”القبة الحديدية”، وكشفت زيف الدروع المتغطرسة. لم يكن الانهيار فقط في أجهزة الرصد والدفاع، بل في بنيان الأسطورة الغربية ذاتها، التي طالما رُوّج لها باعتبارها حائطًا لا يُخترق. فها هي الصواريخ الإيرانية، “صُنع في طهران”، تخترق المدى، وتصيب الهدف، وتترك في عمق الغطرسة الغربية ثقوبًا بحجم الحقيقة.

لم تُصوَّب هذه المقذوفات نحو قواعد الاحتلال فحسب، بل أصابت قلب الخرافة: أن الغرب لا يُقهر، وأن واشنطن وتل أبيب تُحكمان قبضتهما على القرار والسيادة متى شاءتا. لكن الأهم من الصاروخ، كان صداه. فقد هبّ الشعب الإيراني من كل ركن نابض في أرضه، من الأحياء الشعبية إلى نخب العاصمة، مردّدًا بصوت واحد: “لن نركع”، فاجتمع الشارع، وتماسك الصف، وتعالى الولاء لا خوفًا بل فخرًا.
جعلت لحظة التهديد الكلَّ واحدًا.

فالمعارضة الوطنية نفسها – التي طالما حملت مآخذ على السلطة – وضعت الخلافات جانبًا، وارتدت عباءة الوطن، ووقفت بكل شموخ تحت راية الجمهورية، لأن في لحظة العداء، يسقط الخصام، ويبقى الوطن.
حين تسقط الحرب النفسية… 

لم تكن المعركة فقط بالصواريخ. كانت بحرب نفسية مضنية سخّر فيها العدو جيوشًا من المنصات، وكتائب من التضليل، وجيـوشًا رقمية ضخّت السموم، ونشرت الإشاعات، وحاولت تقويض صمود إيران عبر التشكيك والتحريض والشحن الداخلي.

لكن حساباتهم سقطت في وحل الحقيقة. فالشعوب العربية والإسلامية، التي طالما اكتوت بنار الهيمنة، رأت في الردّ الإيراني بصيص أمل، وأدركت أن طهران لا تدافع عن حدودها فحسب، بل تدافع عن كرامة مهدورة طالما غُيّبت في دهاليز المساومات.

من الجزائر، تلك التي لا تهادن في المبدأ، من أرض المليون ونصف المليون شهيد، من محراب الأحرار و مكة الثوّار التي لم تُساوم على شرف الثورة، صدحت الأصوات : “إيران لا تتوسّل، بل تُملي المعادلات”، إلى بغداد التي نهضت من تحت الرماد لتعلن أن طهران اليوم درع الأمة وسيفها، إلى دمشق وبيروت وتونس وغزة ونواكشوط، علت الهتافات، وانسكبت القصائد، وتوهّج الحرف مجددًا في حضرة مقاومة تعرف طريقها ولا تحني جبهتها إلا لله.

ولم يكن العرب وحدهم من صفقوا لصوت السيادة حين علا، بل تجاوب مع النداء ملايين المسلمين من جاكرتا إلى إسلام آباد، ومن كابل إلى كوالالمبور، إذ وجدوا في موقف طهران تجسيدًا لعزة الأمة واستعادةً لروح القرار السيادي. كما دوّت أصوات أحرار العالم من ناشطين وكتّاب وفنانين، ومن نُخب لاتينية وأفريقية وآسيوية، ومن حركات نضال تقف في مواجهة الاستعمار الجديد، تهتف: “ها هي دولةٌ لم تبِع، ولم تركع، ولم تُروَّض.” كما رُفعت الرايات في هافانا وكراكاس وجوهانسبورغ وساحات النضال الأممي، وخُطّت العبارات، وتعانقت صور المقاومة من فلسطين إلى إيران، في مشهدٍ نادر تُعلن فيه الإنسانية الحرة انحيازها للكرامة دون شروط.

هكذا عزّزت الجمهورية الإسلامية الإيرانية جبهتها الداخلية، حين التحم شعبها حول جوهر السيادة لا شعاراتها، واصطفّ خلف رايتها، لا خَوفًا بل كبرياء. لم يكن الالتفاف هذه المرّة من المؤمنين بخطّها فحسب، بل من أولئك الذين نادوا يومًا بالإصلاح، وانتقدوا السياسات، ونازعوا في النهج—هم أنفسهم خرجوا على الشاشات وفي مقاطع مصوّرة اجتاحت المنصات، يصفّقون، ويهتفون، ويعلنون: “حين تُهدَّد الأرض، يُلغى الخلاف، ويُستدعى الدم الأول.”

ما من نصرٍ أعظم من أن ترى مَن كان يطلب التغيير ينصهر ويمنح الولاء طواعيةً، لا خنوعًا، بل إكبارًا لدولةٍ وقفت، وواجهت، وأجابت بالحديد على الصلف. إنها اللحظة التي تحوّلت فيها نار القصف إلى شعلة وعي، وانتقلت فيها السيادة من مصطلحٍ دستوري إلى نبضٍ في الشارع.

وأيضا عززت إيران جبهتها الخارجية، حين التفت الشعوب حولها لا اتباعًا، بل إكبارًا. رأوا فيها من ينهض حيث ينكفئ الآخرون، ومن يردّ حيث يصمت العالم. إنها لحظة تتجاوز الجغرافيا، لحظة يتقاطع فيها الكبرياء الوطني مع الضمير العالمي، وتُختصر فيها معاني الكرامة في اسمٍ بات مرادفًا للعزة والسيادة: طهران.

شعبها سلاحها… وشهداؤها وقود لا ينضب

لم يكن الرد الإيراني نتاج مصانع فقط، بل ثمرة عقيدة شعبية تربّت على أن الكرامة لا  تُرجأ ، والسيادة لا تُساوَم. قُتل علماء في مسالك الغدر، فظهر آخرون يحملون مشعلهم بثباتٍ. استُهدف قادة كبار، فانبثق غيرهم يحمل الشعلة بيد، والوصية في القلب. إنها منظومة لا تتوقّف عند فرد، بل تتجدد من رحم الخسارات، وتشتد في كل محاولة خنق أو حصار.

ولأن الفكر في إيران ليس احتكارًا للنخبة بل ملكًا للأمة، فشلت حملات الاستنزاف المعرفي. واستمر البرنامج النووي رغم كل العوائق، كصرخة سيادية تقول للعالم: نحن نملك قرارنا، ونكتب مستقبلنا بمدادنا لا بحبر المستعمر.

نصر من دون وصاية… وكرامة من دون إملاءات

لم تنتظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية إذنًا من أحد، ولم تطرق أبواب العواصم المهترئة تبحث عن تعاطف أو ضمانة. لم تلجأ إلى قنوات الغزل الدبلوماسي الناعم، بل رسمت طريقها بوضوح، ووجهت رسائلها بالنار الباردة، والبيان الصادق، والموقف الثابت.

جاء نصرها مختلفًا عن الانتصارات المشروطة التي تصوغها موائد التفاوض. نصرٌ لا يشوبه تواطؤ، ولا يلطخه خنوع. نصرٌ في وضح النهار، كتبته صواريخ ميدانية، وباركته شعوب عربية أنهكها انتظار فارسٍ لا ينكسر.

جولة… تدشن عهدا جديدًا

ما حصل ليس حدثًا منعزلًا ولا مجرّد جولة عسكرية. إنه تحول زلزالي في ميزان الهيبة، في خارطة التفاعل، في مفهوم الردع، وفي علاقة الشعوب بصورة القوة. لقد أثبتت إيران أن الكرامة لا تُساق إلى مذبح الدبلوماسية، وأن من أراد السلام، فليقف ندًّا لا تابعًا.

ربحت إيران لأن شرايينها ما زالت تنبض بالعزيمة والرفض، ولأنها لم تغترب عن إرادة شعبها. وربحت الشعوب التي رأت في موقفها مرآةً لكرامتها. من طهران، خرجت الرصاصة الأولى في معركة استعادة المعنى… فهل تتبعها العواصم الأخرى؟

رابط دائم : https://dzair.cc/ucy2 نسخ