الاثنين 12 ماي 2025

الجزائر الجديدة : وطن تبنيه الأجيال… ويقوده ابن الشعب … بقلم آمنة سماتي

نُشر في:
بقلم: آمنة سماتي
الجزائر الجديدة : وطن تبنيه الأجيال… ويقوده ابن الشعب … بقلم آمنة سماتي

في زمنٍ تتعدد فيه الأصوات وتختلف فيه الأجندات، تظل الجزائر ثابتة على موقفها تتناغم فيها إرادة الشعب مع رؤى قيادته، ليصنعوا معًا حاضرًا جديدًا ومشرقًا. الجزائر، التي خاضت معركة التحرير بدماء الشهداء، تواصل اليوم مسيرة البناء والانتصار، وهي تضع نصب عينيها استعادة مكانتها الإقليمية والدولية تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي اختار أن يكون صوت الشعب وجسرًا بين الماضي والمستقبل، تُعيد الجزائر تعريف السيادة والاستقلال.

لا تكمن قوة الجزائر في تاريخها فحسب، بل في قدرتها على تجسيد حلم الأجيال الجديدة، تلك الأجيال التي عاشت مرحلة الحراك الشعبي، ففهمت المعنى الحقيقي للحرية والمشاركة.

جيلٌ لا ينتظر، بل يتحرك بخطى واثقة نحو التغيير الذي يريد أن يكون جزءًا منه.

اليوم، الجزائر ليست مجرد بلد، بل مشروع أمة تنبض بالحياة، يقودها رئيس فهم أن التغيير يبدأ من الداخل، وأن المستقبل يُصنع بعقول شبابه وبإرادة شعبه في كل خطوة نحو الأمام، يتجسد أملٌ في حياة أفضل، وإيمانٌ أن الوطن لا يبنى بالكلام، بل بالعمل المشترك.

وعي الشباب الجزائري من التلقي إلى الفعل

من رحم التحولات العميقة التي شهدتها الجزائر، ومن بين صرخات التغيير التي أطلقها الحراك الشعبي في 2019، وُلِد جيل جديد من الشباب الذي لم يعد يقبل أن يكون مجرد متفرج على الأحداث، بل أصبح فاعلًا رئيسيًا في تشكيل معالم المستقبل. شباب اليوم في الجزائر يتسم بوعي متقدّم، يعي تمامًا حجم التحديات ويعرف ما الذي ينتظره من فرص.

لم يكن هذا التحول، الذي شهده الشباب الجزائري بعد الحراك الشعبي، مجرّد رد فعل على الأزمات، بل هو نتاج لعملية تفاعلية مع البيئة السياسية والاجتماعية التي عاشت أزمات عدة، ما دفع هذا الجيل إلى أن يكون محركًا رئيسيًا في إعادة صياغة واقع الجزائر.

تطور الوعي بعد الحراك الشعبي
لطالما كان الشباب الجزائري في الماضي مشبعًا بمفاهيم التهميش والإقصاء السياسي، لكن الحراك الشعبي في 2019 كان نقطة التحول الكبرى.

لم يكن الحراك مجرد تحرك عفوي، بل كان دعوة جماعية من الشباب لإعادة بناء الجزائر على أسس جديدة من العدالة الاجتماعية والشفافية.

هذا الحراك عبّر عن انبعاث شعور عميق بالمسؤولية في نفوس الشباب، حيث انتقلوا من التلقّي إلى الفعل أصبحوا يدركون أن مجرد الاحتجاج لا يكفي، بل إن الفعل والمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية هما السبيل الوحيد للتأثير في مسار الوطن.

الشباب الذي خرج في الحراك لم يكن ينتقد النظام فحسب، بل كان يطمح إلى بناء مستقبل مختلف.

فتحت وسائل التواصل الاجتماعي أبواب النقاشات العامة، حيث تحول الشباب إلى منتجين للمحتوى السياسي والاجتماعي، يعبرون عن آرائهم ويقومون بتبادل الأفكار التي تهدف إلى تحسين واقع الجزائر، وهو ما تجسد في المبادرات الشبابية التي عكست فهمًا عميقًا لما يجري في البلاد.

الحضور المكثف في النقاشات السياسية والاجتماعية

الشباب الجزائري اليوم ليسوا مجرد مستهلكين للأحداث السياسية والاجتماعية، بل أصبحوا من أبرز منتجي النقاشات التي تُشكل الرأي العام. على منصات التواصل الاجتماعي، أصبح لكل شاب صوت يُسمع، وكل فكرة تصبح مشروعًا قابلًا للنقاش والتفاعل. تتعدد المواضيع التي يتطرقون لها؛ بدايةً من مناقشة سياسات الحكومة، وصولًا إلى قضايا حرية التعبير، والإصلاحات الدستورية، والتحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد.

من خلال هذه المنصات، ينظم الشباب فعاليات حوارية، يشاركون في حملات توعية حول المشاركة في الانتخابات، ويعملون على خلق حملات تعبئة حول قضايا اجتماعية حيوية. فمثلاً، حملة “شباب من أجل الجزائر” لم تقتصر على الدعوة إلى التصويت في الانتخابات، بل توسعت لتشمل ندوات حول كيفية تأثير الشباب في المسار السياسي للبلاد، وكيفية بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية.

بروز مبادرات مدنية وقيادات شبابية مستقلة

لقد أفرز الحراك الشبابي مجموعة من المبادرات المدنية التي يقودها شباب مستقل، بعيدًا عن أي توجهات حزبية تقليدية. هذه المبادرات هي نتيجة لتفاعل حيوي بين الشباب والواقع المجتمعي والسياسي في الجزائر.

المبادرة التي أطلقتها مجموعة من الشباب في مدينة الجزائر العاصمة تحت اسم “تغيير” كانت مثالًا حيًا على هذا التحول. هذه الحملة، التي بدأت عبر منصات التواصل الاجتماعي، توسعت لتشمل حملات توعية تهدف إلى نشر ثقافة المشاركة المدنية، حيث نظم الشباب مسيرات نظافة في الأحياء، وشاركوا في مناقشات حول التعديلات الدستورية، وطرحوا حلولًا لمشاكلهم اليومية، مثل البطالة والتعليم.

مبادرة أخرى مثل “الشباب الجزائري من أجل التغيير”، التي هدفت إلى دعم المسار الانتخابي في 2021، كانت دليلاً آخر على تفعيل الشباب لدورهم في اتخاذ القرار. حيث قام الشباب بجولات ميدانية للتعريف بأهمية الانتخابات المحلية والتشجيع على المشاركة الفعالة، مما يعكس انخراطهم العميق في الحياة السياسية.

ووفقًا لدراسة أجراها “المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية” في 2023، 64٪ من الشباب الجزائري بين 18 و35 عامًا يعتبرون أنفسهم “فاعلين في تغيير السياسات”، وهو ما يعكس مستوى متقدّم من الوعي والمسؤولية تجاه مستقبل الوطن.

اليوم، الشباب الجزائري ليسوا مجرد شريحة تتأثر بالسياسات، بل أصبحوا محركين رئيسيين في التحولات السياسية والاجتماعية. إنهم لا ينتظرون التغيير من الخارج، بل يخلقونه بأنفسهم عبر الحضور المكثف في النقاشات العامة، وبتنظيم المبادرات المدنية التي تهدف إلى تطوير المجتمع وبناء الجزائر الجديدة التي يأملون فيها. هؤلاء الشباب يُجسدون بحق الوعي الجديد الذي يصنع المستقبل.

الرئيس عبد المجيد تبون من شرعية الصندوق الى شرعية القرب

عندما نتحدث عن الرئيس عبد المجيد تبون، نجد أن الحديث يتجاوز الأرقام السياسية والإدارية، ليمتد إلى الرمزية العميقة التي يحملها في الوجدان الشعبي. تبون ليس مجرد رئيس منتخب وفق صناديق الاقتراع، بل هو صورة للرجل القريب من الناس، الذي لا يرى في نفسه سوى ابنًا للشعب الجزائري.

ومنذ وصوله إلى سدة الحكم في 2019، كان الرئيس عبد المجيد تبون يسعى إلى تجسيد هذه القرب في كافة قراراته وخطاباته، ليظهر في أعين الشعب كرمز للعدالة الاجتماعية والنزاهة الوطنية.

رمزية “عمي تبون” في الوجدان الشعبي
لقب “عمي تبون” هو أحد أصدق الألقاب التي تعكس علاقة القرب والمحبة بين الرئيس والشعب الجزائري.

هذا اللقب الذي أطلقه الجزائريون على رئيسهم يعكس أكثر من مجرد مسافة بين رئيسٍ وشعبه؛ بل هو رمز للمودة والتقدير، عنوانٌ للإنسان الذي يتنقل بين شعبه يوميًا، ويشاطرهم همومهم وآمالهم. “عمي تبون” لم يكن مجرد لقب عابر، بل تجسيد لفكرة أن الرئيس ليس بعيدًا عن شعبه ولا فوقهم، بل هو جزء من نسيجهم الاجتماعي، يعي آمالهم وتطلعاتهم.

هذا اللقب يحمل في طياته دلالة عميقة على تغيير في الممارسة السياسية الجزائرية، فقد أصبح الشعب يشعر أن الرئيس لا يتعالى عليهم، بل يشاركونه همومهم وتطلعاتهم. وهو ما جعل تلك العلاقة بين الرئيس والشعب تتسم بالصدق، حيث بات تبون، منذ بداية ولايته، مثالًا للرجل البسيط الذي يتكلم بلغة الشعب ويعمل من أجل مصلحتهم.
قرارات اجتماعية تعبّر عن انحياز للمواطن

لقد عكست قرارات الرئيس تبون، منذ توليه المسؤولية، التزامًا واضحًا بمصلحة المواطن الجزائري.

فالرئيس لم يقتصر على اتخاذ قرارات تهدف إلى تعزيز الوضع الاقتصادي أو السياسي فحسب، بل ركز على القضايا الاجتماعية بشكل موازٍ.

من خلال عدة خطوات ملموسة، أصبح تبون رمزًا لانحياز السلطة إلى الفئات الأكثر احتياجًا في المجتمع الجزائري، بدءًا من تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وصولًا إلى معالجة مشكلات البطالة والفقر.

على سبيل المثال، قراره بتقديم منحة البطالة كان له وقعٌ إيجابي في نفوس ملايين الشباب الذين كانوا يعانون من البطالة، فحسب وزارة العمل، استفاد أكثر من 1.8 مليون شاب جزائري من هذه المنحة حتى 2024. وكان الهدف من هذه الخطوة هو دعم الشباب وتشجيعهم على التفاعل مع المجتمع، بدلًا من تركهم في دائرة التهميش.
خطاب مباشر خارج البروتوكولات
من أكثر ما يميز الرئيس تبون هو خطابه المباشر الذي يخلو من التحفظات البروتوكولية التي غالبًا ما تحاصر رؤساء الدول. تبون يتحدث بلسان الشعب، فيخاطبهم بلغة بسيطة وصادقة، مستمرًا في بناء علاقة شخصية معهم. في أكثر من مناسبة، كان الرئيس يطرح أفكاره بوضوح، وينتقد بشكل صريح أي شكل من أشكال الفساد، متجنبًا الألفاظ المعقدة أو الخطابات الدبلوماسية.

مواقفه تلك أكسبته احترامًا واسعًا داخل الجزائر، حيث شعر المواطنون بأنه يعكس بشكل حقيقي معاناتهم وآمالهم. ففي خطاباته، لم يتردد في التأكيد على أنه “ابن الشعب” وأنه سيظل يعمل لخدمتهم بكل صدق.

هذا التوجه جعله يتمتع بشعبية متزايدة بين مختلف الفئات الاجتماعية في الجزائر، من الشباب إلى كبار السن.
مكافحة المال الفاسد واستعادة هيبة الدولة

من ضمن أولويات الرئيس تبون كانت مواجهة آفة الفساد التي ضربت مؤسسات الدولة، فقد قام بحملات مستمرة على المال الفاسد، وشدد على ضرورة استعادة هيبة الدولة. لم يكن الرئيس مجرد متفرج على الفساد، بل مارس سلطة قوية لاستعادة أموال الشعب المنهوبة، حيث تمت محاكمات لعدد من رجال الأعمال الفاسدين الذين ارتبطوا بالنظام السابق.

إن هذا التوجه نحو مكافحة الفساد لم يقتصر على البيانات السياسية، بل تجسد في إجراءات حقيقية على أرض الواقع، كان لها تأثير واضح في تحسين صورة الجزائر أمام المجتمع الدولي، وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة.

كما أن تبون حرص على التأكيد في كل مناسبة على ضرورة أن يكون المسؤول في الدولة نموذجًا في النزاهة والشفافية، وهو ما يُظهره في سياسته الرامية إلى محاربة الفساد بجميع أشكاله، كما دعا الرئيس الى الحوار الوطني:حيث تم استدعاء جميع القوى السياسية، المدنية، والاقتصادية لإجراء حوار وطني شامل، مع التأكيد على أهمية إشراك جميع شرائح المجتمع في بناء الجزائر الجديدة.

الجزائر الإقليمية – صوت لا يُدار بل يُحسب له الحساب

الجزائر اليوم ليست مجرد دولة في خريطة العالم، بل هي قوة إقليمية ودولية ذات تأثير وحضور فاعل في صناعة القرار العالمي.

في سياق عالم مليء بالصراعات والتحديات السياسية، تبرز الجزائر كداعم قوي للحق، صوت مستقل لا تٌدار أجنداته بل يُحسب له حساب في كل ملف إقليمي أو دولي.

إن الجزائر التي حافظت على استقلالها طوال عقود، والتي اختارت دائمًا الوفاء لثوابتها الوطنية، تقف اليوم ثابتة، تفرض مواقفها بحزم وتؤكد أن خطابها السيادي، المدعوم بأدوات القوة الناعمة والدبلوماسية الفعالة، لا يُقاس بعوامل تأثير الآخرين، بل بقيمها الخاصة.

وفي صلب هذا التوجه، نجد المواقف الجزائرية الحازمة في ملفات غاية في الأهمية مثل فلسطين، النيجر، وليبيا، بالإضافة إلى فوزها بمقعد في مجلس الأمن، ما يعكس حضورًا قويًا لدولة تُسهم في إعادة تشكيل موازين القوى على الساحة الدولية.

مواقف حازمة في ملفات فلسطين، النيجر، وليبيا

أولا فلسطين، كانت الجزائر وما زالت في طليعة الدول التي تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

فمنذ الاستقلال، كانت الجزائر ولا تزال الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية في جميع المحافل الدولية. لم تكتفِ الجزائر بتقديم الدعم السياسي، بل بذلت كل الجهود لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين أمام المجتمع الدولي.

موقفها الثابت ضد التطبيع كان وما زال يشكل حجر الزاوية في سياستها الخارجية. الجزائر ليست مجرد داعمة في القضايا العامة، بل تقوم أيضًا بدور استراتيجي في تعزيز علاقاتها مع حركات المقاومة الفلسطينية، من خلال تنظيم اللقاءات والمشاورات، وتقديم الدعم المالي والسياسي. وفي عام 2021، أكد الرئيس عبد المجيد تبون أن “الجزائر ستظل تقدم كل الدعم لفلسطين حتى تحقق استقلالها الكامل”، مما يبرز التزام الجزائر الدائم تجاه هذه القضية المركزية.

و النيجر، فمنذ بداية الأزمة في النيجر، أثبتت الجزائر أن موقفها لا يتغير في مواجهة التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية.

الجزائر كانت أول من دعت إلى احترام سيادة النيجر، مؤكدةً على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة بعيدًا عن التدخل العسكري. الجزائر، التي تدافع عن الحلول السلمية، سعت دائمًا لاحتواء الأزمة وفتح قنوات الحوار بين مختلف الأطراف. هذا التوجه يعكس موقف الجزائر الثابت في معارضة أي تدخلات خارجية في الشؤون الإفريقية، مما يساهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة.

في 2023، نظمت الجزائر لقاءات بين القوى السياسية في النيجر، معلنة أنها تلتزم بتفعيل دبلوماسية الوساطة من أجل إيجاد مخرج سياسي للأزمة.

وصولا الى ليبيا الأزمة الليبية تمثل أيضًا ساحة أخرى تبرز فيها الجزائر كقوة مؤثرة.

الجزائر كانت دائمًا طرفًا في مساعي الحل السلمي للأزمة الليبية، وسعت إلى أن تكون وسيطًا نزيهًا، من خلال حوار شامل بين الأطراف الليبية. الجزائر كانت من أولى الدول التي دعت إلى انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا وأكدت على أهمية الحوار بين الليبيين من دون تدخل خارجي. هذا الموقف يُترجم إلى مواقف عملية على الأرض، حيث كانت الجزائر من أول الدول التي استضافت الجولات التفاوضية بين الفرقاء الليبيين في إطار الحوار الوطني الشامل. لقد سعت الجزائر إلى أن تكون منصتها دائمة للحوار، مؤكدة بذلك موقفها الثابت في دعم وحدة ليبيا وسيادتها.

فوز الجزائر بمقعد مجلس الأمن

في خطوةٍ تُجسد الثقة الدولية في الجزائر، حصلت الأخيرة على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة 2024-2025. هذه الخطوة لم تكن مجرد نجاح سياسي، بل كانت تأكيدًا على الدور الفاعل الذي تلعبه الجزائر على الساحة الدولية. فوز الجزائر بـ184 صوتًا من أصل 193 في انتخابات مجلس الأمن، يعكس تقدير المجتمع الدولي لمواقفها الثابتة والمبدئية في العديد من القضايا الإقليمية والدولية. إن هذا الفوز ليس مجرد انعكاس لعلاقات الجزائر الدولية، بل هو شهادة على أن العالم يقدر صوت الجزائر، ويعترف بمكانتها المتزايدة في ترتيب القوى الكبرى.
هذا المقعد هو تكريس لدور الجزائر الفاعل في مجلس الأمن الدولي، والذي يتيح لها فرصة التأثير في رسم السياسات العالمية وخاصة في مجالات الأمن والسلام. الجزائر، من خلال هذا الإنجاز، تثبت أنها لا تسعى فقط للحفاظ على مصالحها الوطنية، بل أيضًا تسعى إلى المساهمة الفاعلة في تعزيز الاستقرار العالمي ومكافحة الإرهاب والنزاعات المسلحة.
خطاب سيادي مستقل يستعيد الدور التاريخي
اليوم، يمكن القول بكل فخر أن الجزائر قد استرجعت دورها التاريخي كداعم للمستضعفين على الساحة الدولية. الجزائر، التي عُرفت تاريخيًا بدورها البارز في تحرير الشعوب، تعود اليوم لتستعيد هذه المكانة عبر خطاب سيادي مستقل لا يساوم في ثوابته الوطنية. الجزائر لم تعد مجرد دولة صغيرة تتبع مصالح القوى الكبرى، بل أصبحت صوتًا حاسمًا يُحسب له حساب في الأزمات الإقليمية والدولية.

في خطاباته، أكد الرئيس عبد المجيد تبون أن الجزائر ستظل دائمًا تدافع عن سيادتها ولا تقبل بأي شكل من الأشكال التدخلات الخارجية في شؤونها أو شؤون الدول الشقيقة. التصريحات الأخيرة لوزارة الخارجية الجزائرية التي جاء فيها: “نعود إلى دورنا التاريخي كصوت للمستضعفين في إفريقيا والعالم” تُجسد بكل وضوح سياسة الجزائر في التمسك بثوابت استقلالها، ودعوتها لحل الأزمات دون تدخلات خارجية، وفي هذا السياق، تقف الجزائر مع الشعوب المظلومة، مطالبةً المجتمع الدولي بإنهاء كافة أنواع الظلم والتمييز.
الجزائر اليوم تُظهر قوة صوتها، ليس في شوارعها فحسب، بل في ساحات السياسة العالمية أيضًا. من خلال مواقفها الحازمة والمبدئية، تفرض الجزائر نفسها كداعم رئيسي للسلام والعدل في المنطقة والعالم. ليس فقط في القضايا الفلسطينية أو في حل النزاعات الإقليمية، بل أيضًا في تجسيد السيادة الوطنية التي تشكل أساسًا لكل سياسة خارجية قوية. الجزائر، التي كانت دائمًا الحارس الأمين للحقوق، تواصل إعلاء صوتها في المحافل الدولية، ليس لأنها تتبع أحدًا، ولكن لأنها تؤمن بأن صوت الحق يجب أن يُسمع.

الإعلام السيادي – درع الوعي الوطني في مواجهة التشويه

في عصر باتت فيه المعلومات هي القوة المحورية التي تشكّل الوعي العام وتوجه المسارات السياسية، أدركت الجزائر منذ وقت طويل أن المعركة على الساحة الإعلامية هي معركة الوجود والسيادة. فالإعلام لم يعد مجرد أداة لنقل الأخبار، بل أصبح ساحة رئيسية للمعركة الثقافية والسياسية، بل وأحد أبرز أدوات القوة الناعمة التي تعتمد عليها الأمم للحفاظ على مكانتها وحماية هويتها. ومن هنا، بدأ العمل على بناء منظومة إعلامية جديدة تكون قادرة على مجابهة محاولات التشويه التي تسعى لفرملة التقدم الجزائري وطمس الإنجازات التي حققتها الأمة.
إعادة بناء المنظومة الإعلامية:
الجزائر، التي عاشت لسنوات تحت وطأة إعلام لا يتسم بالحيادية ولا يتسم بالحرفية، بدأت في تنفيذ خطة طموحة لإعادة بناء منظومتها الإعلامية بشكل يتناغم مع متطلبات العصر، حيث أصبح الإعلام يعكس صورة الدولة ويعزز من قوتها الناعمة على الصعيدين الداخلي والدولي. هذه الرؤية الإعلامية الجديدة تستند إلى مبدأ “الإعلام السيادي”، أي إعلام وطني مستقل تمامًا عن أي ضغوطات خارجية أو تأثيرات أجنبية، يعكس أولويات الدولة، ويعزز من قوتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
كانت الجزائر بحاجة إلى إعلام قادر على مواجهة محاولات التشويه المتزايدة، التي تهدف إلى النيل من استقرار البلاد وسمعتها الدولية. ومن هنا جاء استثمار الدولة في إطلاق قنوات إعلامية وقوة عمل مؤسساتية إعلامية قادرة على مجابهة حملات التضليل، مثلما يتجلى في إطلاق قناة الجزائر الدولية “AL24 News”، التي تبث باللغة العربية، الفرنسية، الإنجليزية، والإسبانية، لتعكس صورة الجزائر الحقيقية بعيدًا عن كل محاولات التشويه. هذه المنصة أصبحت في وقت قياسي منبرًا يُسمع فيه صوت الجزائر بقوة ويُحترم عالميًا، حيث استطاعت أن تفرض نفسها كمرجعية إعلامية موثوقة، تعكس قيم الجزائر وشموخها.

منصات إعلامية دولية: “AL24 News” كنموذج للسيادة الإعلامية:

وإطلاق “AL24 News” كان بمثابة إشارة واضحة من الجزائر إلى العالم بأن صوتها لن يُغفل. فمن خلال هذه القناة، اختارت الجزائر أن تكون حاضرًا وبقوة في الساحة الإعلامية الدولية، حيث لا يُسمح لأحد بتوجيه رسائل مغلوطة أو تشويه الحقائق حول البلاد. القناة ليست مجرد وسيلة إعلامية تقليدية، بل هي جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز السيادة الوطنية عبر تزويد المتابعين والمشاهدين في مختلف أنحاء العالم بصوتٍ صادق يعكس الواقع الجزائري من خلال تقارير ميدانية موثوقة، ومناقشات جادة بعيدة عن أي تلاعب أو تحريف. والهدف الأسمى من هذه المنصة الإعلامية هو إعادة تشكيل الصورة الذهنية عن الجزائر في الخارج، لتكون مُمَثلة في واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بعيدًا عن الهجوم المستمر الذي تتعرض له من وسائل إعلام أجنبية تتبع أجندات سياسية معينة.

رصد الشائعات والتصدي للهجمات الرقمية:
لكن الإعلام السيادي في الجزائر لا يقتصر على إطلاق قنوات ومنصات فحسب؛ بل يتعدى ذلك إلى التصدي للتهديدات الرقمية والإعلامية التي تستهدف الشعب الجزائري في محاولات لزعزعة الثقة بين المواطنين والدولة. فالإعلام الرقمي أصبح ساحة جديدة للصراعات، والجزائر لم تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة الهجمات الرقمية الممنهجة. فقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في الهجمات الإعلامية الموجهة ضد الجزائر، كان من أبرزها الحملات الإعلامية التي تقودها شبكات مغرضة تسعى لنشر الشائعات وخلق حالة من الفوضى عبر منصات التواصل الاجتماعي. لكن الجزائر تحركت بسرعة، واستثمرت في تقنيات وأدوات لمراقبة هذه الهجمات والرد عليها في الوقت المناسب.
وفي هذا السياق، تشير التقارير الصادرة عن وزارة الاتصال إلى أن 600 إشاعة مفبركة تم رصدها في عام 2023، أغلبها من مصادر خارجية تهدف إلى تشويه سمعة الجزائر، ونشر الشكوك بين أبناء الشعب. هذه الإشاعات تراوحت بين الأخبار المزيفة حول الأوضاع الداخلية للبلاد إلى الأكاذيب التي تتعلق بمواقف الجزائر الخارجية، خصوصًا في القضايا الحساسة مثل الوضع في ليبيا والنيجر وفلسطين. لكن الحكومة الجزائرية نجحت في صد هذه الهجمات بفضل تكثيف الجهود الإعلامية الرسمية، والتعاون مع الخبراء في مجال الإعلام الرقمي، والتوسع في تدريب الصحافيين على كيفية كشف الأخبار المزيفة، وتعزيز الوعي الرقمي لدى الجمهور، خاصة في صفوف الشباب.

اليوم، وفي الوقت الذي تتسارع فيه التحديات الإعلامية، برهنت الجزائر على قدرتها على بناء إعلام سيادي متماسك، يواجه بكل قوة حملات التشويه الإعلامي، ويقدم الحقيقة بكل وضوح وبلا تلاعب. الإعلام السيادي أصبح في الجزائر جدارًا منيعًا ضد محاولات ضرب الاستقرار الداخلي والسمعة الدولية، ليظل صوت الجزائر واضحًا ومسموعًا في الساحة العالمية.

الجزائر الرقمية – الجيل الذي لا ينتظر

في الزمن الذي تُقاس فيه سيادة الدول ليس فقط بما تمتلكه من جيوش أو ثروات طبيعية، بل أيضًا بقدرتها على إنتاج المعرفة وتطويع التكنولوجيا، تبرز الجزائر اليوم كقوة صاعدة بهدوء في عالم الاقتصاد الرقمي. شبابٌ لا ينتظر التوظيف ولا يتعلق بشباك الإدارات، بل يبادر، يبتكر، ويؤسس شركات ناشئة تُعيد تشكيل النموذج الاقتصادي الوطني من الأسفل إلى الأعلى.

من العاصمة إلى تمنراست، ومن وهران إلى الوادي، تتكاثر المبادرات التكنولوجية والمشاريع الرقمية بقيادة جيل جديد متمكن من أدواته، يحمل روح الريادة أكثر من ثقافة الانتظار. لم يعد الحلم مقتصرًا على منصب في الإدارة، بل بات يرتكز على إنشاء تطبيق يخدم السوق المحلية، أو منصة تعالج مشكلًا اجتماعيًا، أو شركة تكنولوجيا تخلق فرص عمل.

وفي مشهد غير مسبوق، أعلنت وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة أن عدد الشركات الناشئة المسجلة بلغ أكثر من 3200 شركة عام 2024، باستثمارات تجاوزت 150 مليون دولار، كثيرٌ منها جاء من صناديق تمويل محلية وشراكات دولية. وقد أُطلقت مبادرات عمومية كمسرّعات الأعمال، والتمويل التنافسي، والحاضنات الجامعية، مما جعل الجزائر تدخل بخطى ثابتة نادي الدول المعتمدة على الابتكار المحلي كركيزة للنمو.
منصة “Yassir” كنموذج بارز، خرجت من رحم هذا المناخ، لتنافس اليوم كبرى تطبيقات النقل والدفع الإلكتروني في إفريقيا، حاملةً ختم “صنع في الجزائر” إلى الأسواق العالمية. كما ظهرت تطبيقات في الزراعة الذكية، والتجارة الإلكترونية، والتعليم عن بُعد، يؤسسها جزائريون بقدرات فردية وإرادة جماعية.
ولعل الأهم من الأرقام والمنصات هو التحوّل الثقافي العميق: شبابٌ يؤمن أن مستقبله يُصنع بالكود، والذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، لا فقط بالشهادات الإدارية أو انتظار الوظيفة. دولةٌ تدعم هذا الاتجاه باستراتيجية رقمية واضحة، ترصد الميزانيات، وتفتح المجال، وتراهن على المعرفة كسلاح استراتيجي.

إنها الجزائر التي تنهض بعقول أبنائها، وتبني اقتصادًا يواكب الزمن، و”جيل لا ينتظر” بل يُبادر ليصنع ما يستحقه من مستقبل.

وما يضفي على هذا التحول الرقمي طابعًا وطنيًا خالصًا هو تنوّع خارطة المشاريع الشبانية التي لم تقتصر على قطاع واحد، بل غطّت مجالات التعليم، الفلاحة، الأمن السيبراني، البيانات الكبرى، وحتى الحلول البيئية. ففي سطيف، أطلق شباب جزائريون مشروع Farm AI، الذي يوظف الذكاء الاصطناعي لتحليل المحاصيل الزراعية وتحسين المردود الفلاحي، مساهمين بذلك في دعم الأمن الغذائي الوطني عبر تقنيات متقدمة لا تزال في بداياتها في العالم العربي. أما في المناطق النائية، فقد برزت مبادرة Safe Water Cube – الجزائر، التي يقودها طلبة جامعيون بالشراكة مع منظمات غير حكومية، وتهدف إلى توفير حلول ذكية لتنقية المياه باستخدام أدوات بسيطة وتكنولوجيا ميسّرة، مما يكرّس روح الابتكار من أجل الإنصاف الاجتماعي.

وفي قطاع التعليم، أنشأ روّاد شباب منصة In-tuition، وهي فضاء تعليمي رقمي ثنائي اللغة (عربية–فرنسية) يوفّر دروسًا خصوصية تفاعلية وتقييمًا فوريًا، في استجابة مرنة لحاجيات الجيل الجديد

رابط دائم : https://dzair.cc/onks نسخ