تتسع دائرة التضييق على حرية الرأي والتعبير في المغرب، مع قرار متابعة المدون والناشط الحقوقي ياسين بنشقرون في حالة اعتقال، على خلفية تدوينات عبّر فيها عن مواقفه السياسية وانتقاداته للسياسات العمومية ولمؤسسات رسمية، في خطوة اعتبرتها الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين “همم” مساسًا خطيرًا بالحقوق الأساسية وتجريمًا صريحًا لآراء سلمية.
وأفادت الهيئة، في بلاغ شديد اللهجة، أن بنشقرون قُدّم أمام النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بآسفي، ليُقرر إيداعه السجن ومتابعته في حالة اعتقال، مع تحديد جلسة للنظر في قضيته يوم 25 ديسمبر 2025، رغم أن الملف لا يتجاوز حدود التعبير السلمي عن الرأي، وهو ما يطرح مجددًا أسئلة محرجة حول استقلالية القضاء وحدود توظيفه في تصفية الحساب مع الأصوات المزعجة للمخزن.
ووفق المعطيات ذاتها، فإن بنشقرون كان قد مثل لأول مرة أمام النيابة العامة في 10 أكتوبر 2025، قبل أن يُستكمل تقديمه يوم 23 ديسمبر، حيث قضى يومًا كاملًا داخل المحكمة، في مشهد يعكس، بحسب متابعين، طابعًا استعراضيًا للمتابعة أكثر مما يعكس احترامًا لقرينة البراءة أو لحقوق الدفاع.
واعتبرت “همم” أن اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي في قضايا الرأي يكشف منطقًا تحكميًا وتعسفيًا، ويؤكد استمرار المقاربة الأمنية في التعامل مع النقد السياسي، بدل حماية حرية التعبير كما ينص عليها الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، والتي باتت، في نظر الحقوقيين، حبرًا على ورق كلما تعلق الأمر بانتقاد المخزن أو سياساته.
القلق الحقوقي ازداد حدّة مع ما ورد في محاضر الضابطة القضائية بشأن امتناع بنشقرون عن تناول الطعام خلال فترة الحراسة النظرية، واكتفائه بشرب الماء، وهو ما قد يشير إلى دخوله في إضراب عن الطعام، خاصة وأنه سبق أن أعلن عن نيته خوض هذه الخطوة الاحتجاجية في حال اعتقاله. وضعٌ يعيد إلى الواجهة سجلًّا ثقيلاً من الإهمال الرسمي لمصير المعتقلين السياسيين، وما قد يترتب عن ذلك من مخاطر جسيمة على سلامتهم.
وفي هذا السياق، حمّلت الهيئة الحقوقية السلطات المغربية كامل المسؤولية عن السلامة الجسدية والنفسية لياسين بنشقرون، مطالبة بضمان متابعته طبيًا واحترام كرامته وحقوقه الأساسية، وفق القوانين الوطنية والمعايير الدولية، بدل الاكتفاء بمنطق الردع والزجر.
كما دعت “همم” إلى الإفراج الفوري عنه، أو على الأقل متابعته في حالة سراح، معتبرة أن الإصرار على اعتقاله يؤكد أن القضية لا تتعلق بتطبيق القانون، بل بإرسال رسالة ترهيب لكل من يجرؤ على رفع صوته بالنقد، في سياق يتسم بتراجع مقلق لهامش الحريات، وتزايد عدد المتابعات ذات الخلفية السياسية.
قضية ياسين بنشقرون، في نظر مراقبين، ليست حالة معزولة، بل حلقة جديدة في سلسلة محاكمات الرأي التي تكشف الوجه الحقيقي لخطاب “دولة الحقوق والحريات” الذي يروّج له المخزن خارجيًا، بينما يُفرغ داخليًا من مضمونه عبر الاعتقالات والمتابعات والضغط على النشطاء والصحافيين.
وفي ظل هذا الواقع، يتكرس الانطباع بأن المخزن لا يزال يعتبر الكلمة الحرة خطرًا يجب تطويقه، لا حقًا يجب حمايته، وهو ما يضع المغرب أمام اختبار حقيقي لمدى التزامه بالدستور وبالتزاماته الدولية، ويجعل من ملفات معتقلي الرأي مرآة صادقة لأزمة سياسية وحقوقية أعمق، عنوانها الخوف من النقد، وتجريم الاختلاف.
