في واقعة تختزل تماماً اختلالات السلطة في المغرب، وتكشف الوجه الحقيقي لسياسات “التدبير” بعد كارثة الحوز، يجد أحد الناجين من الزلزال نفسه خلف القضبان، لا لشيء سوى لأنه دافع عن خيمته البسيطة التي كانت آخر ما تبقّى له بعد انهيار منزله. عبد الرحيم أفقير، متضرر حقيقي فقد مسكنه ومصدر عيشه، تحوّل فجأة إلى “متهم” يحمل على كتفيه تهمًا ثقيلة: إهانة موظف، محاولة إضرام النار، والتحريض، تهم لا تُصدَّق إلا إذا قررت سلطات المخزن أن تجعل من الضحية مجرماً لتغطية تجاوزاتها.
فوفق شهادة نشطاء من تنسيقية ضحايا زلزال الحوز، تم اعتقال أفقير منذ 27 نوفمبر، بعد شكاية من قائد قيادة أكلى، إثر عملية هدم تعسفية لخيمتين في ملكيته داخل دوار تابع لجماعة سيدي عبد الله أو سعيد. العملية تمت، كما تؤكد مقاطع الفيديو، في غياب السكان، وبدون أي إشعار أو مسطرة قانونية، وفي ظل تعامل استفزازي ومهين من ممثل السلطة الذي يفترض أن يكون في خدمة المواطنين، لا في مواجهة بؤسهم.
وما يزيد المشهد قتامة أنّ المواطن المعني كان قد دخل في صلح سابق بوساطة أعيان المنطقة، لكن القائد — في خطوة تثير الريبة — قرّر بعد ذلك تقديم شكاية جديدة أدت إلى متابعة الضحية في حالة اعتقال، وعقد جلسات قضائية يومي 1 و3 ديسمبر، وتأجيل الملف إلى 8 ديسمبر 2025. خطوة تكشف كيف يمكن للسلطة في المغرب أن تستخدم “منصبها” كسلاح، وأن توظّف القانون لخلق قضية من العدم، بدلاً من حماية مواطن منكوب ينتظر دعماً لا يأتي وعدلاً لا يُرى.
الهيئة المغربية لحقوق الإنسان، في فرعها بإداومومن، ندّدت بما وصفته بـ “الظلم المركب” الذي يتعرض له المتضرر — ظلم في الهدم، ظلم في الاعتقال، وظلم أكبر في حرمانه من الدعم الذي لا يزال الآلاف من ضحايا الزلزال ينتظرونه منذ شهور. فالمنطقة، كما تؤكد الهيئة، تعيش على وقع استبعاد واسع للأسر من برامج الإيواء وإعادة البناء، في وقت يكتفي المسؤولون بتبرير الفشل وفرض العقاب على من يجرؤ على الاحتجاج أو الاستفسار.
الهدم التعسفي للخيام — آخر ما يملكه المتضررون من غطاء فوق رؤوسهم — جريمة أخلاقية قبل أن تكون قانونية. وإن كان المغرب قد أغرق الإعلام الرسمي بحديث “الرعاية الملكية” و“البرامج الوطنية الضخمة”، فإن الواقع في القرى المنكوبة يفضح تماماً الفجوة بين الخطاب والممارسة:
قرى بلا إعمار، أسر بلا دعم، ضحايا بلا صوت، وسلطة لا تتردد في الزج بأحد الناجين في السجن لأنه تجرأ على سؤال بسيط: “من أعطى الأمر بهدم خيمتي؟”
الهيئة طالبت بتحقيق عاجل نزيه ومحايد، وبتمكين المعتقل من شروط المحاكمة العادلة ووقف أي تعسف في استعمال السلطة. لكنها تعلم، كما يعلم كل مغربي، أن هذا الملف ليس سوى عيّنة صغيرة من منظومة أوسع، تُدار فيها الأزمات بأدوات الردع بدل الحلول، ويتحوّل فيها المتضررون إلى متّهمين كلما اصطدمت مطالبهم بجبروت الإدارة.
إن اعتقال عبد الرحيم أفقير هو رسالة واضحة:
في المغرب، حتى لو كنت ضحية زلزال دمّر بيتك وقريتك، يكفي أن تحتج أو تسأل أو تدافع عن حقك في خيمة بائسة، حتى تُعامل كجاني وتُقابل بالاعتقال لا بالإنصاف.
وهكذا يُضاف هذا الملف إلى سجل الانتهاكات التي تشهدها المناطق المنكوبة، ليكشف أن الدولة التي عجزت عن حماية ضحايا الحوز، اختارت — بكل بساطة — أن تحمي أخطاء موظفيها بشكايات جاهزة، وأن تواصل إدارة الكارثة بمنطق القوة بدل منطق العدالة والإنصاف.
