21 أكتوبر، 2025
ANEP الثلاثاء 21 أكتوبر 2025

التلفزيون الرسمي الإسباني يُسوّق لأكاذيب المخزن: الإعلام الأوروبي في خدمة الاحتلال المغربي للصحراء الغربية

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
التلفزيون الرسمي الإسباني يُسوّق لأكاذيب المخزن: الإعلام الأوروبي في خدمة الاحتلال المغربي للصحراء الغربية

لم يعد الإعلام الأوروبي بريئًا من جريمة التواطؤ مع الاستعمار الجديد في شمال إفريقيا، ولا سيما في قضية الصحراء الغربية. آخر الفضائح جاءت من هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسبانية RTVE التي ارتكبت خطأً فاضحًا، بل فضيحة مهنية موصوفة، عندما عرضت في أحد برامجها لقطات من مدينة الداخلة المحتلة تحت التسمية الزائفة «Dajla, Marruecos» (الداخلة، المغرب)، وكأنها تتحدث عن مدينة مغربية خالصة وليست أرضًا تحت الاحتلال، ما كشف بوضوح حجم الاختراق المخزني في المنابر الإعلامية الأوروبية، ومدى انزلاقها إلى دور تبريري يجمّل وجه الاحتلال القبيح.

هذا التلاعب الإعلامي أثار حفيظة الأكاديمي الإسباني البارز الدكتور لويس بورتيو باسكوال ديل ريكيلمي، عضو مركز الدراسات حول الصحراء الغربية بجامعة سانتياغو دي كومبوستيلا، الذي ندد بما وصفه بـ«السقوط الأخلاقي والمهني» لـ RTVE، متسائلًا: كيف لهيئة عمومية تموَّل من جيوب المواطنين الإسبان أن تروّج لمحتوى يناقض القانون الدولي ويشرعن لاحتلال عسكري طال أمده نصف قرن؟

تواطؤ إعلامي أم استعمار ناعم؟

ما حدث في البرنامج الإسباني ليس زلّة مذيع ولا خطأ جغرافيًا عابرًا، بل هو تجلٍّ واضح لما يمكن تسميته بـ «الاستعمار الإعلامي الجديد»، حيث يُستخدم الإعلام الغربي لتلميع الاحتلال وتبرير السياسات التوسعية المغربية تحت لافتة “الواقعية السياسية”.
ففي الوقت الذي تُمنع فيه الأصوات الصحراوية الحرة من الوصول إلى الرأي العام الأوروبي، يُفسَح المجال للمخزن وأذرعه الدبلوماسية لتسويق “روايته الرسمية”، مدعومة بشبكات ضغط ولوبيات مالية وإعلامية تمتد من باريس إلى مدريد، مرورًا ببروكسل.

وليس سرًّا أن المخزن أنفق خلال السنوات الأخيرة ملايين اليوروهات في شراء الذمم الإعلامية والسياسية الأوروبية، سواء عبر تمويل مؤسسات بحثية “محايدة” أو عبر رعاية فعاليات اقتصادية ورياضية في مدن محتلة مثل الداخلة والعيون، في محاولة لفرض واقع سياسي بالقوة الناعمة بعد فشل القوة العسكرية.

الإسبان بين عقدة التاريخ وضغط المصالح

تساهل الإعلام الإسباني مع الرواية المخزنية ليس منفصلًا عن عقدة الذنب التاريخية لإسبانيا التي تخلّت سنة 1975 عن مستعمرتها السابقة وتركت الشعب الصحراوي تحت رحمة الاحتلال المغربي. ومنذ ذلك التاريخ، ظلّ الموقف الإسباني الرسمي متأرجحًا بين النفاق الدبلوماسي والجبن السياسي، يتغيّر بتغيّر الرياح القادمة من الرباط وباريس وواشنطن.
لكن الأخطر اليوم أن التواطؤ لم يعد فقط سياسيًا أو استخباراتيًا، بل إعلاميًا وأكاديميًا وثقافيًا، وهو ما يجعل من RTVE —ومن قبلها بعض وسائل الإعلام الفرنسية— أدواتٍ لتبييض وجه نظامٍ معروف بانتهاكاته وفساده وشرائه للذمم.

إن الإسبان الذين يحتفلون بحرية التعبير وحقوق الإنسان مدعوّون إلى مواجهة حقيقة مُرّة: مؤسساتهم الإعلامية الرسمية باتت تخون مبادئها المهنية لصالح مملكة الرشوة والرقابة التي يحكمها المخزن بقبضة من حديد، ويغلفها بطلاء من “الإصلاحات” الزائفة و”المشاريع الملكية” الموجّهة للاستهلاك الخارجي.

حين يتحول الكذب إلى سياسة دولة

ليس جديدًا على المخزن أن يشتري الصمت أو أن يزرع روايته في العقول الأوروبية. لقد فعلها مع ساسة من طراز نيكولا ساركوزي، الذي زار الداخلة المحتلة متخفيًا تحت عباءة “المنتديات الاقتصادية”، كما فعلها مع وزراء سابقين في باريس ومدريد عبر “الشيكات السخية” و”الرحلات الفاخرة” إلى الرباط.
والجديد هو أن تتحول وسائل إعلام عامة، من المفترض أن تخدم الحقيقة، إلى أبواق رسمية تروّج لاحتلال يناهض الشرعية الدولية ويضرب عرض الحائط بقرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الأوروبية.

إن ما فعلته RTVE ليس مجرد خطأ إعلامي، بل هو فعل سياسي له أبعاد استعمارية، لأنه يسهم في إعادة صياغة الوعي الجماعي الإسباني على نحوٍ يُكرّس الاحتلال ويُطمس الحقيقة، في وقتٍ ما يزال فيه آلاف الصحراويين يعيشون في مخيمات اللجوء بتندوف، محرومين من أبسط حقوقهم في العودة وتقرير المصير.

الاستعمار يتجدّد… لكن الأقنعة تتساقط

إن ما يغيب عن كثير من الأوروبيين أن المخزن لا يكتفي باحتلال الأرض، بل يسعى لاحتلال الوعي، ولتجريم من يدافع عن حق الشعب الصحراوي. والنتيجة أن أوروبا —التي ترفع شعار العدالة وحقوق الإنسان— تمارس ازدواجية فاضحة، تُدين روسيا في أوكرانيا لكنها تصمت أمام المغرب في الصحراء الغربية.

لقد آن الأوان لأن تُعرّي النخب العالمية هذا النفاق الغربي، وأن تفضح تواطؤ الإعلام الأوروبي الذي يحوّل الاحتلال إلى “منتجع سياحي” والمقاومة إلى “تهديد أمني”. فكل صورة لمدينة الداخلة تُقدَّم على أنها “مغربية” هي طلقة جديدة في صدر الحقيقة، وكل برنامج تلفزيوني يزيّف الجغرافيا هو شريك في الجريمة السياسية المستمرة منذ 1975.

الإعلام الحر لا يزيّف الخرائط، ولا يجمّل الاحتلال، ولا يبيع المهنة في أسواق النفوذ. أما من يفعل ذلك —كما فعلت RTVE— فقد اختار أن يكون لسانًا من ألسنة المخزن، وأن يسقط أخلاقيًا قبل أن يسقط مهنيًا. لكن التاريخ لا يرحم، والذاكرة الصحراوية أطول من كل نشرات الأخبار.

رابط دائم : https://dzair.cc/azsa نسخ