30 أكتوبر، 2025
ANEP الخميس 30 أكتوبر 2025

الجزائر تواجه الخطة الأمريكية في مجلس الأمن: لا لتصفية استعمار جديدة في الصحراء الغربية.. صراع دبلوماسي يحتدم في نيويورك بين منطق القوة ومنطق الشرعية الدولية

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
الجزائر تواجه الخطة الأمريكية في مجلس الأمن: لا لتصفية استعمار جديدة في الصحراء الغربية.. صراع دبلوماسي يحتدم في نيويورك بين منطق القوة ومنطق الشرعية الدولية

في أروقة الأمم المتحدة، تحتدم النقاشات منذ أيام حول مشروع القرار الأمريكي المتعلق بتجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو).
وتشير المعطيات المتسربة من نيويورك إلى أن التصويت الحاسم قد يتم خلال الساعات القادمة، وسط انقسام حاد داخل مجلس الأمن بين الدول الداعمة لخطة “الحكم الذاتي” المغربية، وتلك المتمسكة بمبدأ تقرير المصير.

الولايات المتحدة، صاحبة مشروع القرار، دفعت منذ إدارة ترامب باتجاه تثبيت الطرح المغربي كخيار “وحيد وواقعي”، بينما تحاول روسيا والصين، ومعهما دول مثل الجزائر وجنوب إفريقيا وسلوفينيا، منع تمرير صيغة تُجهِض المسار الأممي الذي يقوم على تنظيم استفتاء يتيح للشعب الصحراوي اختيار مستقبله بحرية.

الجزائر… صوت الشرعية في وجه منطق القوة

الجزائر، التي تحمل ذاكرة نضالها الطويل ضد الاستعمار الفرنسي، لا تنظر إلى قضية الصحراء الغربية كملفٍ حدودي أو إقليمي، بل كقضية مبدئية تمس جوهر النظام الدولي القائم على حق الشعوب في تقرير مصيرها.

وفي هذا السياق، تؤكد مصادر دبلوماسية جزائرية أن أي تسوية لا تتضمن استفتاءً حرًّا وشاملًا تعتبر “باطلة سياسيًا وأخلاقيًا”، لأنها تحوّل الأمم المتحدة من هيئة لحماية الشعوب إلى أداة لتثبيت الاحتلال.
وتشير تلك المصادر إلى أن الجزائر كثّفت تحركاتها داخل الاتحاد الإفريقي ومع شركائها في آسيا وأمريكا اللاتينية، لتشكيل جبهة رافضة لأي “قرار مبتور” يُفرغ المينورسو من مضمونها.

خطة واشنطن… إرث ترامب الذي لم يُدفن

يستند المشروع الأمريكي الحالي إلى إرث إدارة ترامب التي اعترفت، في صفقة سياسية مع الرباط، بوهم “السيادة المغربية على الصحراء الغربية” مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب والكيان الصهيوني.
هذا الإرث، وإن حاولت إدارة بايدن تغليفه بعبارات دبلوماسية أكثر توازناً، إلا أنه لا يزال ينحاز عملياً إلى الموقف المغربي، من خلال التركيز على “خيار الحكم الذاتي” وإغفال جوهر القضية: حق تقرير المصير.

ويرى المراقبون أن واشنطن تستخدم ورقة الصحراء كورقة نفوذ في شمال إفريقيا، ضمن صراعها مع الصين وروسيا، معتبرين أن “الملف تحول من قضية تصفية استعمار إلى ساحة تجاذب جيوسياسي بين القوى الكبرى”.

فرنسا… شريك الصمت والدعم الخفي

كالعادة، تتوارى باريس وراء بيانات دبلوماسية ناعمة بينما تدفع، من وراء الكواليس، في اتجاه تمرير النص الأمريكي.
فرنسا، التي تعد الحليف التقليدي للمغرب داخل المجلس، تبرّر موقفها بـ”ضرورة الواقعية السياسية”، غير أن مصادر أممية تؤكد أن الدبلوماسية الفرنسية هي من صاغت الأجزاء الأكثر إثارة للجدل في النص الحالي، تلك التي تُقدّم الحكم الذاتي كـ”خيار أساسي وعملي”.

الجزائر من جهتها، ترى في هذا الانحياز الفرنسي امتدادًا لسياسة الكيل بمكيالين التي لطالما قوّضت مصداقية الأمم المتحدة في معالجة النزاعات الإفريقية.

معارضة متصاعدة داخل المجلس

في المقابل، عبّرت عدة دول عن تحفظها على النص الأمريكي، من بينها روسيا، الصين، سلوفينيا، كوريا الجنوبية، وغويانا.
وأكد ممثلو هذه الدول أن أي تسوية “لا يمكن أن تكون خارج قرارات مجلس الأمن السابقة، ولا بمعزل عن إرادة الشعب الصحراوي”.

صوت من تندوف: “لا تفاوض على الكرامة”

في مخيمات اللاجئين بتندوف، خرجت مظاهرات حاشدة رفضًا للخطة الأمريكية، رُفعت فيها شعارات تندد بـ”محاولة شرعنة الاحتلال”، مؤكدين أن الكرامة لا تُمنح في صفقات سياسية.
وتؤكد قيادة جبهة البوليساريو أن أي مشروع لا يتضمن خيار الاستقلال “سيُعتبر خيانة لتاريخ الأمم المتحدة”، مشيرة إلى أن المينورسو وُجدت لتنظيم استفتاء، لا لتبرير الاحتلال.

الأمم المتحدة أمام اختبار مصداقية

يُجمع المراقبون على أن التصويت المقبل سيكون اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة الأمم المتحدة على الدفاع عن مبادئها المؤسسة.
فإذا ما تم تمرير القرار الأمريكي بصيغته الحالية، فإن المنظمة الدولية ستُتهم بـ”تصفية استعمار معكوسة” تمنح المحتل الشرعية بدلًا من محاسبته.

خمسون سنة من المماطلة… ولا يزال الشعب ينتظر

بعد مرور نصف قرن على مسرحية المخزن لاحتلال الصحراء المسماة زورا وبهتانا بـ “المسيرة الخضراء”، ما زال ملف الصحراء الغربية يدور في حلقة مفرغة من القرارات والوعود المؤجلة.
النظرة الجزائرية ترى أن الحل لا يمكن في تدوير الاحتلال في عباءة جديدة، بل في العودة إلى الأصل: حق الشعب الصحراوي في أن يقرر مصيره بنفسه، كما قررته الجزائر ذات يوم بالبندقية وبالإجماع الدولي.

رابط دائم : https://dzair.cc/gpbb نسخ