الخميس 05 جوان 2025

الجزائر لن تسمح لدويلة الإمارات بزعزعة أمنها الإقليمي بعد أن وظفت تحالفاتها الخارجية لتفكيك المنطقة العربية

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
الجزائر لن تسمح لدويلة الإمارات بزعزعة أمنها الإقليمي بعد أن وظفت تحالفاتها الخارجية لتفكيك المنطقة العربية

في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الإقليمية تحولات غير مسبوقة، يبرز التوتر الصامت بين الجزائر والإمارات كأحد ملامح الخلاف والصراع على النفوذ داخل العالم العربي وفي فضاءاته الحيوية، خصوصًا في منطقة الساحل الإفريقي.

ما بدا في البداية خلافًا دبلوماسيًا محصورًا في التصريحات والتحركات، تطور ليصبح جزءًا من مشهد إقليمي أعقد، يتداخل فيه الأمني بالسياسي، وتلعب فيه أبوظبي أدوارًا تتجاوز بكثير حجمها الجغرافي والديمغرافي، مستندة إلى تحالفات خارجية أبرزها مع إسرائيل وبعض القوى الغربية.

السفير “ضابط الظل”: عنوان الأزمة

شكل السفير الإماراتي لدى الجزائر، يوسف سعيد الخميس ساع آل علي، نقطة ارتكاز لهذا التوتر المتصاعد، حيث وجّهت له وسائل إعلام جزائرية ومصادر سيادية اتهامات غير مسبوقة بتجاوز دوره الدبلوماسي نحو أدوار استخباراتية مشبوهة.

وقد وصفت صحيفة “الخبر” الجزائرية تحركات السفير الإماراتي بأنها تخرج عن إطار العمل الدبلوماسي التقليدي، مشيرة إلى أنه يتحرك كـ”ضابط ظل” أكثر منه كسفير، خصوصًا عبر زياراته المتكررة إلى مالي والنيجر وبوركينا فاسو، دول تعيش علاقات فاترة مع الجزائر منذ انقلاباتها العسكرية وافتتاحها على المحور التركي-الروسي-الإماراتي.

هذه التحركات، من وجهة نظر جزائرية، ليست مجرد زيارات روتينية، بل جزء من استراتيجية إماراتية لاختراق عمق الجزائر الاستراتيجي، عبر دعم أنظمة غير منتخبة ومناهضة للنهج التحرري الذي تمثله الجزائر تقليديًا في القارة السمراء.

خلافات سابقة تتجدد

لم تبدأ الأزمة من تحركات السفير فحسب. فقد سبق لأبوظبي أن أغضبت الجزائر عندما أعلنت دعمها الصريح لموقف المغرب في قضية الصحراء الغربية، متجاوزة ما تعتبره الجزائر “ثوابت قومية” و”مبادئ تحريرية” لا تقبل التفاوض.

ويُنظر لهذا الموقف على أنه اصطفاف إلى جانب الخصوم الإقليميين للجزائر، وتحييد عملي لدورها في الدفاع عن القضايا العربية العادلة.

علاوة على ذلك، لم تتورع الإمارات عن استخدام أدواتها الإعلامية، مثل قناة “سكاي نيوز عربية”، في الترويج لخطاب موجه ضد الجزائر، سواء من خلال استضافة شخصيات مثيرة للجدل للحديث عن “أزمات الهوية”.

أو من خلال تكريس سردية توحي بأن الجزائر تعاني من مشاكل داخلية تستوجب تدخلًا خارجيًا، وهو أسلوب يُذكر بالهندسة الإعلامية التي سبقت تدخلات عسكرية في دول عربية أخرى.

دور استخباراتي مموه في إفريقيا

تصاعد الحضور الإماراتي في منطقة الساحل يُثير قلقًا جزائريًا متزايدًا. فبالنسبة للجزائر، هذه المنطقة ليست مجرد فضاءً جغرافيًا مجاورًا، بل هي الامتداد الطبيعي لأمنها القومي.

وقد شدد الفريق أول السعيد شنقريحة، قائد الأركان، على أن الجزائر لن تسمح لأي قوة أجنبية بفرض أجنداتها في هذا العمق الاستراتيجي.

التحركات الإماراتية تُفهم جزائريًا على أنها جزء من خطة أكبر لتقويض الدور الجزائري في القارة الإفريقية، عبر دعم نماذج حكم انقلابية أو الهروب نحو تحالفات بديلة تتجاوز التنسيق مع الجزائر، وتسعى إلى خلق توازنات جديدة تُقصي الفاعل الجزائري التقليدي.

تحالفات خطيرة: إسرائيل بوصفها بوابة النفوذ

في قلب هذا التمدد الإماراتي، تبرز إسرائيل كلاعب خفي يوفّر لأبوظبي غطاءً استخباراتيًا وتكنولوجيًا وعلاقات دولية واسعة.

فالتحالف الإماراتي الإسرائيلي، الذي أخذ طابعًا رسميًا منذ “اتفاقيات أبراهام”، لم يقتصر على التنسيق الأمني في الخليج أو فلسطين، بل تمدد نحو إفريقيا، حيث تتقاطع المصالح الإسرائيلية-الإماراتية في ملفات الطاقة والتكنولوجيا والأمن.

وهنا ترى الجزائر نفسها في مواجهة شبكة نفوذ متشابكة، تجمع بين رأس المال الإماراتي، والخبرة الاستخباراتية الإسرائيلية، والدعم السياسي من بعض القوى الغربية، وهو ما يجعل المواجهة غير متكافئة، لكنها حتمية بالنسبة لدولة ترى في استقلال قرارها وسيادتها خطوطًا حمراء.

الجزائر ترد بتحذيرات وتصعيد محسوب

رد الجزائر لم يكن مجرد صمت. فمنذ سبتمبر 2024، اختفت تحركات السفير الإماراتي رسميًا، ما اعتُبر مؤشرًا على أنه بات “شخصًا غير مرغوب فيه”، حتى وإن لم يُطرد رسميًا. ووفق صحيفة “الخبر”، فإن الرجل مسؤول عن 80% من أسباب توتر العلاقات الثنائية.

كما بدأت الجزائر بإعادة ضبط خطابها السياسي والأمني حيال الساحل الإفريقي، مؤطرةً تدخلها في المنطقة ضمن ما وصفه الباحث مولود ولد الصديق بأنه “هندسة استقرار” قائمة على التنمية وليس التدخل العسكري، في تلميح ناقد للمقاربات الإماراتية التي تعتمد على الدعم المالي والتسليحي لأنظمة هشّة.

وفي مواجهة ما تراه محاولات “عزل ممنهج”، شدد الخطاب الجزائري على أن البلاد لن تقبل أن تُهمّش أو أن يُفرض عليها دور ثانوي في منطقتها الحيوية.

ويقول المحلل رشيد علوش إن الجزائر لن تكون مجرد مراقب أو ضيف على طاولة الساحل، بل فاعل أساسي، يملك الشرعية التاريخية والنفوذ الشعبي، وهو ما تفتقده الإمارات في المقابل.

هذه الرسائل تؤكد أن الأزمة مع الإمارات لم تعد مجرد خلاف دبلوماسي عابر، بل أصبحت أزمة هوية سياسية وموقع استراتيجي، يتقاطع فيها المحلي بالقاري، والذاتي بالتحالفات الدولية.

أزمة مفتوحة على احتمالات التصعيد

ما بدأ بتحركات “مشبوهة” من طرف سفير، تحوّل إلى اختبار مفتوح لقدرة الدول العربية على التصدي للنفوذ غير العربي، حتى وإن جاء بثوب عربي.

وعليه فإن الإمارات، التي تسعى إلى تموضع جديد في إفريقيا، تجد نفسها في مواجهة مع دولة تملك رصيدًا تاريخيًا وسياسيًا وثقافيًا لا يمكن تجاوزه بسهولة.

رابط دائم : https://dzair.cc/cbkn نسخ