الخميس 06 نوفمبر 2025

الجزائر نجحت مرّتين.. أجهضت حلم المخزن بالاستيلاء على الصحراء الغربية وأدخلته في نشوة زائفة ستعقبها صدمة كبيرة من استحالة تنفيذ أكذوبة “الحكم الذاتي” على الأرض.. بقلم/ معمر قاني

نُشر في:
بقلم: معمر قاني
الجزائر نجحت مرّتين.. أجهضت حلم المخزن بالاستيلاء على الصحراء الغربية وأدخلته في نشوة زائفة ستعقبها صدمة كبيرة من استحالة تنفيذ أكذوبة “الحكم الذاتي” على الأرض.. بقلم/ معمر قاني

في كل مرة يصدر فيها قرار أممي حول الصحراء الغربية، يسارع الإعلام المخزني إلى دق الطبول ورفع رايات “الانتصار”، كأن العالم بأسره سلّم أخيراً بأكذوبة “مغربية الصحراء”، وكأنّ ما جرى في أروقة مجلس الأمن هو تتويج لـ “دهاء المخزن” الدبلوماسي.

لكن الحقيقة، كما تكشفها الوقائع والتوازنات الدولية، أبعد ما تكون عن هذه الرواية السخيفة التي تنسجها ماكينة الدعاية المغربية، إذ إنّ القرار الأممي الأخير لم يكن نتيجة عبقريةٍ دبلوماسيةٍ مغربية، ولا عن “ضعف” جزائري كما تُروّج تلك الأبواق، بل هو ثمرة صفقات اقتصادية ومقايضات سياسية لا علاقة لها لا بالقانون الدولي ولا بمبادئ العدالة وحقوق الشعوب.

الولايات المتحدة، التي دفعت بمسودة القرار الداعم لطرح الحكم الذاتي، لم تفعل ذلك حبّاً في المغرب ولا إيماناً بشرعية احتلاله للصحراء الغربية، بل لأنها اشترت دعم المخزن بعملة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبالتواطؤ معه في جرائم الإبادة بغزة. والرباط بدورها دفعت الثمن السياسي والأخلاقي كاملاً، حين باعت القضية الفلسطينية مقابل “ورقة” دعم مؤقتة في ملف الصحراء.

أما روسيا والصين، اللتان اكتفتا بالتعبير عن “التحفظ”، فهما تتحركان وفق حسابات مصلحية بحتة، إذ لا ترى موسكو في الصحراء الغربية سوى ورقة تفاوض ثانوية يمكن مقايضتها بموقف أمريكي أكثر ليونة في أوكرانيا، بينما تبحث بكين عن “غض طرف” أمريكي تجاه طموحاتها في تايوان. في زمن المال والمصالح، لم تعد الإيديولوجيا ولا المبادئ هي التي تحدد مواقف الكبار.

وفي خضم هذا المشهد الدولي المليء بالانتهازية، برزت الدبلوماسية الجزائرية كصوت أخلاقي نادر في عالمٍ اختنق بالمقايضات. الجزائر كان يمكنها، لو أرادت، أن تخوض مسار التطبيع نكاية في المخزن، وأن تستعمل أوراقاً مشابهة في لعبة النفوذ، لكنها اختارت طريق المبدأ لا المساومة، ورفضت الدخول في المستنقع القذر الذي سقط فيه النظام المغربي. وهذا الموقف في حد ذاته انتصار دبلوماسي وأخلاقي، لأن الحفاظ على شرف الموقف في زمن الانبطاح هو أسمى أشكال القوة.

ومن جهة أخرى، فإنّ اللافت في القرار الأخير أنّ مجلس الأمن مدّد ولاية بعثة “المينورسو” عاماً كاملاً، وهي البعثة الأممية التي تحمل في اسمها ومعناها هدفاً واضحاً: تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية. هذا التمديد وحده يكفي لتبديد أوهام المخزن حول “نهاية” خيار الاستفتاء، لأن البعثة باقية ما دام الاستفتاء لم يُجرَ بعد، وما دام الشعب الصحراوي لم يعبّر بحرّية عن إرادته.

فكيف يدّعي المغرب أنّ الحكم الذاتي هو “الحل الواقعي والوحيد”، في حين يمدّد مجلس الأمن وجود بعثة هدفها الأصلي تنظيم استفتاء الاستقلال؟! إنّها مفارقة تكشف حجم التضليل الذي يعيشه النظام المغربي الذي أضلّ شعبه هو الآخر بهذه المغالطة الكبيرة.

ثم إنّ الحديث عن “مفاوضات مباشرة” جديدة على أساس مقترح الحكم الذاتي، يعيدنا إلى مشهد قديم: مفاوضات مانهاست التي انطلقت قبل سنوات على أساس الاستفتاء، ثم دخلت في طريق مسدود بسبب تلكؤ وتملّص المغرب. واليوم، إذا ما بدأت مفاوضات جديدة على قاعدة الحكم الذاتي، فإنها لن تكون أحسن حالاً، لأنّ جبهة البوليساريو لن تقبل الدخول في عملية تفاوضية تفرغ مبدأ تقرير المصير من محتواه.

والنتيجة المتوقعة أن تعود الأمور إلى المربع الأول: مأزق تفاوضي جديد، وصراع طويل الأمد لن يحسمه إلا الاعتراف بحق الصحراويين في تقرير مصيرهم بحرية. وسيعود هذا الخيار الأصيل إلى أروقة مجلس الأمن للأسف بعد تضييع وقت كبير من عمر الشعب الصحراوي الذي لن يتنازل عن حقه بالسهولة التي يتخيلها المخازنية.

ورغم أن الجزائر لم تُخفِ انزعاجها من مضمون القرار الأممي، إلا أن هذا “الانزعاج” في ظاهره يخفي ذكاءً تكتيكياً؛ فالحركة الدبلوماسية الجزائرية اختارت أن تبدو وكأنها “لم تكسب الجولة” رغم أنها انتصرت فعلا وحقيقة، لتسحب الأنظار عن مكسبها الحقيقي: إفشال مساعي المخزن لتحويل القرار إلى مرجعية نهائية لشرعنة الاحتلال.

الجزائر نجحت حتى وهي ترفض حضور عملية التصويت في تقليص حجم الأضرار، وفي إبقاء الباب مفتوحاً أمام حق تقرير المصير، وهو ما جعل حتى بعض الدول الأعضاء تؤكد أن “الحل النهائي” لا يمكن أن يكون إلا بالتوافق، لا بالإملاء.

أما في الجهة المقابلة، فالمخزن يعيش نشوة زائفة؛ خطوة قصيرة إلى الأمام لكنها نحو المجهول. إذ كيف يمكن لنظام أن يفرح بقرار أممي لا يعترف له بالسيادة على الصحراء الغربية، ولا يمنحه سوى “مفاوضات” جديدة محفوفة بالمخاطر السياسية؟! إنّها نشوة من يخاف السقوط، فيحاول إقناع نفسه بأنه يحلّق عالياً. فالرباط، التي بنت كل دعايتها على “الانتصار الدبلوماسي”، تدرك في أعماقها أن القرار لم يُغلِق تماماً بعثة الاستفتاء حول تقرير المصير، بل جدّد عمرها عاماً آخر تحت وصاية الأمم المتحدة، وهي خطوة مهمة للتأكيد على أنّه الخيار الوحيد بعد أن يفشل مسار مفاوضات لا يؤمن بها سوى المخزن.

إنّ معركة الصحراء الغربية لم تعد بين الجزائر والمغرب كما يحاول الإعلام المأجور تصويرها، بل بين من يؤمن بالحق والشرعية الدولية ومن يسعى لتسليع الأرض والإنسان في سوق الصفقات. الصحراء ليست ورقة مساومة، ولا مجالاً للتطبيع ولا للتجارة بالمعاناة. هي قضية شعب يعيش منذ نصف قرن في المنافي والمخيمات، متمسكاً برايته وحقه في أن يقول للعالم: “أنا لست مغربياً، أنا صحراوي حرّ”.

إنّ التاريخ لا يُكتب بالمال ولا يدوَّن بالتطبيع، بل بمواقف الرجال والمبادئ التي لا تُشترى. والجزائر، في كل مرة، تؤكد أن الكرامة لا تُقايض، وأن الدبلوماسية الحقيقية هي تلك التي تبني الموقف على الحق، لا على الحسابات.

لذلك، فبينما يتباهى المخزن بـ”نصر” ورقيّ لا يتجاوز حدود الإعلام الموجَّه، يواصل الشعب الصحراوي نضاله بثبات، وتواصل الجزائر دعمها بثقة، لأن الحقيقة مهما طال الليل، ستسطع من رمال الصحراء، لتقول للعالم إنّ الاستقلال ليس حلماً.. بل وعداً لم يحن أوانه بعد.. فقط.

بقلم معمر قاني

رابط دائم : https://dzair.cc/e3z0 نسخ

اقرأ أيضًا