الجزائر… ليست مجرد دولة تنطق باسم الحق، بل ذاكرة شعب كامل نُحتت على جدران التاريخ بدم مليون ونصف المليون شهيد.
الجزائر بلد حين تتكلم ترتجف الكراسي، وحين تصمت يفهم الجميع أن الصمت موقف. بلد الحليب، بلد الشهامة، بلد لا يقاس على أحد ولا يشبه أحد.
ومن يقول الجزائر… يقول فلسطين، علاقة ليست موسمية ولا طارئة؛ علاقة كتبتها النار والبارود، وباركتها أرواح الشهداء، وثبّتها الزمن كلما حاولت يد خائنة أن تمحوها.
هذه الحكاية ليست وليدة الأمس، هي تبدأ من جذور التاريخ… من الشعوب الكنعانية التي كانت تتواصل بين الضفتين، من رحلات التجار القديمة التي ربطت المغرب بالمشرق، ومن قوافل الحضارات التي جعلت مصير فلسطين والجزائر متشابهاً منذ قرون.
فكلتا المنطقتين عرفتا الاحتلال الروماني، وكلتاهما قاومتا الحملات الصليبية، وكلتاهما واجهتا الاستعمار الحديث بنفس السيف: سلاح الإرادة.
ثم جاء القرن العشرون، عام 1936، عقدت الحركة الوطنية الجزائرية أول مؤتمر لها، وكان ضمن توصياته دعم نضال الشعب الفلسطيني ضد الانتداب البريطاني. كانت الجزائر مستعمَرة، لكن قلبها كان حراً يتجه نحو فلسطين.
وفي 1948، يوم سقطت القرى الفلسطينية تحت ضربة الاحتلال، خرج الجزائريون في مظاهرات رغم بطش الاستعمار الفرنسي، وسقط منهم شهداء نددوا بنكبة شعب بعيد عنهم في الجغرافيا، قريب في الدم.
وجاءت ثورة نوفمبر 1954.
وفي ذروة معاركها، كانت فلسطين أول من قدّم صوتاً سياسياً لنصرة الثورة الجزائرية. حركة القوميين العرب ومنظمات فلسطينية نشطت في دعم الثورة لوجستياً وبشرياً.
كثير من الفلسطينيين ساهموا في إيصال السلاح والمعلومات، وكان بينهم من استشهد على الأرض الجزائرية.
وفي المقابل، حين اشتعلت فلسطين في خمسينات وستينات القرن الماضي، كانت الجزائر المتحررة تبحث عن مكانها في العالم.
فوقف الرئيس هواري بومدين، الرجل الذي لم ينحنِ أمام قوة في العالم، وقال مقولته الشهيرة:
نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة.
لكن الحقيقة أن فلسطين لم تكن يوماً ظالمة، والجزائر لم تكن يوماً مترددة. بومدين فتح أبواب الجزائر لكل فدائي فلسطيني، ودعم منظمة التحرير بالمال والسلاح والدورات التدريبية.
قادة فلسطينيون تلقوا تدريباتهم الأولى في جبال الأوراس ومرتفعات جيجل وتيزي وزو.
عام 1967، يوم سقطت القدس، كانت الجزائر دولة فتية خرجت للتو من الاستعمار، لكنها أرسلت طائرات ميغ وطيارين شاركوا فعلياً في الحرب. واستشهد منهم رجال لا تزال أسماؤهم محفورة في التاريخ.
وفي حرب 1973، كانت الجزائر من الدول القليلة التي شاركت بجيشها بكامل القوة الممكنة.
دخلت الدبابات الجزائرية إلى الجبهة المصرية، وعاد كثير من الجنود في نعوش مغطاة بالعلم الجزائري ومعها علم فلسطين.
وفي 1974، وقف ياسر عرفات في الأمم المتحدة رافعاً غصن الزيتون، وكانت الجزائر الدولة العربية الأكثر دعماً له لانتزاع الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني.
وفي 1982، حين حوصرت بيروت، كانت الجزائر أول من أدان الاجتياح الإسرائيلي، وأول من فتح الأبواب لاستقبال الجرحى والمهجرين.
وفي 1988، يوم أعلن رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قيام دولة فلسطين من الجزائر، لم يكن ذلك حدثاً عابراً، اختار عرفات الجزائر لأنها البلد الوحيد الذي اعتبره الفلسطينيون وطناً ثانياً بلا حدود. في تلك الليلة، كانت الجزائر تُعلن فلسطين… وفلسطين تُعلن الجزائر في ثوبها الأخوي الأبدي.
ومنذ ذلك الحين، محطات
التاريخ تكمل بعضها:
الجزائر استقبلت الطلبة الفلسطينيين، دعمت مستشفيات غزة، أرسلت مساعدات عبر كل الحصار، رفضت التطبيع بكل وضوح، بقيت الدولة العربية الوحيدة التي لا تتردد ولا تتلعثم في كلمة “لا”.
لا لإسرائيل.
لا للظلم.
لا لبيع القضية.
وفي الانتفاضة الأولى والثانية، كان الشعب الجزائري ينزل إلى الشوارع بالملايين. في حرب غزة 2008، 2012، 2014، 2021، 2023–2024… كانت الجزائر آخر صوت عربي صامد يقول: لن نخون.
الشعب الجزائري لم يخذل فلسطين يوماً، والشعب الفلسطيني لم يخن الجزائر يوماً. العلاقة بينهما ليست علاقة حكومات بل علاقة دم، علاقة أرواح تعرف بعضها دون لقاء، علاقة عز لا تمسه يد، ونخوة لا تُباع.
أما اليوم… يظهر الخائن المتسخ الذي يريد أن يضرب هذا التاريخ العظيم، من يتآمر، من يتقاضى أموالاً ليشوّه صورة الجزائر، أو يطعن فلسطين، أو يشيطن مواقف شعبين لا يتزحزحان عن الحق.
لكن هؤلاء يجهلون أن التاريخ لا يمحوه المرتزقة.
وأن الأخوة الحقيقية لا يكسرها إعلام مدفوع.
وأن الجزائر وفلسطين ليستا صفحة على مواقع التواصل… بل كتاب مكتوب بالدم والصدق والوفاء.
لعنة الله على كل خائن، على كل يد تريد زرع الفتنة، على كل صوت يريد تكسير علاقة عمرها قرون.
وليعلم الجميع:
من يقترب من الجزائر أو فلسطين… سيجد شعبين كاملين واقفين بالمرصاد.
بقلم الإعلامية الفلسطينية آسيا أحمد علي.
