31 أكتوبر، 2025
ANEP الجمعة 31 أكتوبر 2025

الدبلوماسية الجزائرية تنتصر والحق الصحراوي يترسّخ والدعاية المخزنية في سباق يائس قبيل جلسة مجلس الأمن حول الصحراء الغربية.. بقلم/ معمر قاني

تم التحديث في:
بقلم: معمر قاني
الدبلوماسية الجزائرية تنتصر والحق الصحراوي يترسّخ والدعاية المخزنية في سباق يائس قبيل جلسة مجلس الأمن حول الصحراء الغربية.. بقلم/ معمر قاني

تشهد كواليس الأمم المتحدة منذ مطلع الأسبوع تحرّكاً محموماً يقوده نظام المخزن المغربي وأذرعه الإعلامية والدبلوماسية، في محاولة لخلق أجواء ضغط وتوجيه للرأي العام الدولي قبيل الجلسة المنتظرة لمجلس الأمن مساء اليوم الجمعة، المخصّصة لمناقشة تطورات قضية الصحراء الغربية، أحد أقدم نزاعات تصفية الاستعمار في القارة الإفريقية.

حملة دعائية مكرّسة لتضليل الرأي الدولي

كشفت مصادر دبلوماسية جزائرية من نيويورك أن الآلة الإعلامية التابعة للمخزن المغربي دخلت منذ أيام سباقاً محموماً لتسويق سردية أحادية ومغلوطة، تسعى إلى إعادة صياغة حقيقة النزاع بما يخدم مصالح الرباط.

وتقوم هذه الدعاية، بحسب المصادر ذاتها، على محاور رئيسية أبرزها: تصوير المغرب كـ“ضحية مؤامرة”، والترويج لما يسمّيه “مبادرة الحكم الذاتي” بوصفها الحل الوحيد الممكن، مع تجاهل كامل للمرجعيات القانونية للأمم المتحدة التي تؤكد بوضوح أن الصحراء الغربية إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، يخضع لعملية تصفية استعمار لم تُستكمل بعد.

ويستعين المخزن منذ بداية حملته الشيطانية بوسائل إعلام ناطقة بعدة لغات، ومراكز ضغط وشركات علاقات عامة مقرّها واشنطن وباريس، لترويج مسودة القرار الأميركي الجديدة، التي كانت تتبنّى – في جوهرها وقبل تعديلها – وجهة النظر المغربية وتسعى إلى فرضها كإطار تفاوضي وحيد، في تجاهل واضح للحق الأصيل للشعب الصحراوي في تقرير المصير، كما نصّت عليه قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سنة 1965.

الجزائر: موقف ثابت ودبلوماسية هادئة وواثقة

في المقابل، تتحرّك الدبلوماسية الجزائرية بثقة وهدوء، متمسّكة بموقفها الثابت الذي يرى في القضية الصحراوية مسألة تصفية استعمار لا تقبل المساومة ولا الحلول الجزئية.

وأكدت مصادر من البعثة الجزائرية لدى الأمم المتحدة أن الجزائر ستقدّم خلال جلسة مجلس الأمن “مرافعة تاريخية” تعيد التذكير بجذور النزاع وبالمرجعيات الأممية التي تنظّمه، وبأن أي حل لا يمرّ عبر استفتاء حرّ ونزيه لتقرير مصير الشعب الصحراوي يبقى مخالفاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

وتشير ذات المصادر إلى أن الجزائر، إلى جانب عدد من الدول الصديقة مثل روسيا والصين وموزمبيق، ترفض الصيغة للمسودة التي طرحتها الولايات المتحدة للتصويت، لما تتضمّنه من انحياز واضح لمقترح الحكم الذاتي المغربي، ومحاولتها الالتفاف على مبدأ تقرير المصير.

وقد اقترحت هذه الدول إدخال تعديلات جوهرية على النص، أبرزها: التأكيد الصريح على أن الاستفتاء لتقرير المصير يظلّ الخيار المعترف به دولياً؛ رفض أي مقاربة “أحادية” تُقصي جبهة البوليساريو باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي؛ والدعوة إلى احترام وقف إطلاق النار ووقف كل الخروقات المغربية في الجدار العازل؛ وتحميل الأمم المتحدة مسؤوليتها في ضمان حياد بعثة “المينورسو” وتمكينها من مراقبة حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.

بين المسودة الأميركية والموقف الدولي المتباين

المسودة الأميركية التي سيُصوَّت عليها اليوم، تدعو إلى تمديد ولاية بعثة “المينورسو” حتى أكتوبر 2026، وتُبدي “دعماً كاملاً” لمبعوث الأمم المتحدة الشخصي ستافان دي ميستورا في مواصلة المفاوضات “على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي”.

غير أن الصياغة المثيرة للجدل تكشف – بحسب محللين – انزلاقاً خطيراً في لغة مجلس الأمن، إذ تُقدّم مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الأساس الواقعي الوحيد للحل، متجاهلة مبدأ تقرير المصير الذي يُشكّل جوهر النزاع ومبدأه المؤسس.

ويرى مراقبون أن هذا التوجّه الأمريكي يعكس محاولة واشنطن الحفاظ على توازن هشّ بين دعمها السياسي التقليدي للمغرب، ومساعيها لتجنّب انقسام حاد داخل المجلس، خاصة في ظل مواقف موسكو وبكين الرافضة لأي تسييس للملف أو تقويض للشرعية الدولية.

من جهتها، تؤكد الجزائر ومعها عدد من الدول الإفريقية والأميركية اللاتينية أن أي حل واقعي لا يمكن أن يكون على حساب القانون الدولي، وأن “الواقعية السياسية” التي يتذرّع بها البعض لا تعني التنازل عن الحقوق الأساسية للشعوب في تقرير مصيرها.

رمزية التوقيت: بين نوفمبر التحرير ونوفمبر القرار

يأتي انعقاد جلسة مجلس الأمن في توقيت رمزي للغاية بالنسبة للجزائر وشعوب المنطقة، إذ تتزامن مع احتفالات الشعب الجزائري بالذكرى الحادية والسبعين لاندلاع ثورة نوفمبر المجيدة، التي ألهمت حركات التحرّر في إفريقيا والعالم، ومنها الشعب الصحراوي الذي ما يزال يناضل لاستكمال استقلاله.

ويرى مراقبون أن هذا التزامن يمنح الموقف الجزائري قيمة رمزية وأخلاقية مضاعفة، إذ تعيد الجزائر التذكير بأن دعمها للحق الصحراوي ليس موقفاً سياسياً آنياً، بل امتداد طبيعي لتاريخها التحرّري ولقيم ثورتها المجيدة.

وفي الوقت الذي يحاول فيه الإعلام المغربي تحويل الأنظار عن جوهر القضية عبر إثارة قضايا جانبية وترويج صور “تنموية” من الأراضي المحتلة، يركّز الإعلام الجزائري على إبراز البعد الإنساني والحقوقي للنزاع، من خلال تسليط الضوء على معاناة اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف، وعلى انتهاكات الاحتلال المغربي في العيون والداخلة.

الحق لا يُلغى بالدعاية

وسط هذا التوتّر الإعلامي والدبلوماسي، يترقّب الشارعان الجزائري والصحراوي مخرجات جلسة مجلس الأمن الليلة، في أجواء تتراوح بين الأمل والحذر.
لكنّ الثابت، كما يؤكد عدد من المحللين، أن القضية الصحراوية تجاوزت حدود التعتيم وأن الدعاية المخزنية، مهما اشتدّت، لن تغيّر من طبيعة النزاع ولا من شرعية حق تقرير المصير.

فالحقائق التاريخية والقانونية واضحة: الصحراء الغربية إقليم لم يُمنح بعدُ استقلاله، والمغرب قوّة احتلال بحكم القانون الدولي، وموقف الجزائر مناصر لمبدأ أممي ثابت لا يخضع للمساومات.

وبين من يراهن على التضليل الإعلامي، ومن يتمسّك بشرعية الحق، يبقى مصير النزاع مرهوناً بإرادة المجتمع الدولي في تطبيق قراراته، لا في التلاعب بألفاظها.

وفي النهاية، تؤكد الجزائر أن الحق لا يُلغى بالضغط، ولا يُشترى بالدعاية، وأن الشعب الصحراوي، مثل كل الشعوب التي قاومت الاستعمار، سيبقى صامداً حتى استرجاع حريته، مهما طال الزمن وتبدّلت التحالفات.

رابط دائم : https://dzair.cc/39fc نسخ