تتجدد المطالب بكشف الحقيقة كاملة في قضية مقتل ثلاثة شبان خلال أحداث القليعة، بعد مرور أربعين يوماً على الحادثة التي ما تزال تفاصيلها غامضة، بينما تواصل عائلات الضحايا وجمعيات حقوقية رفع صوتها للمطالبة بالمحاسبة وإنصاف الأسر التي ما تزال تعيش صدمة الفاجعة.
خلال وقفة نظمتها لجنة عائلات “الشهداء والمعتقلين والمصابين” أمام مخفر الدرك بالقليعة يوم 15 نوفمبر 2025، صدحت الشعارات مطالبة بالعدالة وكشف ملابسات إطلاق الرصاص، فيما قالت جمعية “أطاك المغرب” إن المخزن يواصل، بالموازاة مع ذلك، حملة اعتقالات ومحاكمات واسعة في صفوف شباب “جيل زيد” بمختلف المدن، معتبرة أن العديد من الأحكام “جاهزة وهدفها إسكات جيل بدأ يرفع رأسه للمطالبة بحقوقه”.
مدينة هشّة… وشرارة احتجاجية لم تكن مفاجئة
القليعة ليست مجرد مدينة صغيرة في سوس ماسة؛ إنها منطقة تُجمع التقارير الرسمية على تصنيفها ضمن أكثر المناطق هشاشة في الجهة.
فحسب المندوبية السامية للتخطيط ووزارة الداخلية، تعاني القليعة من بطالة مرتفعة وفقر متعدد الأبعاد ونقص كبير في البنى الصحية والتعليمية واكتظاظ سكني وغياب الفضاءات العمومية وشبكة طرق وبنية تحتية ضعيفة، ولأنها تقع بين الحي الصناعي لأيت ملول وضيعات اشتوكة، فقد تحولت منذ سنوات إلى ملاذ للطبقة العاملة الصناعية والزراعية، ما أدى إلى توسع عمراني غير منظم، بلا تخطيط وبلا مرافق.
مطلب الأمن الوطني.. مطلب عمره عقدان
منذ سنة 2005، يطالب سكان المنطقة بإخضاع القليعة لنفوذ الأمن الوطني بدل الدرك الملكي، إذ إن مخفراً صغيراً ببضع عناصر غير قادر، بحسب شهادات السكان، على مواكبة التعقيد الاجتماعي والاقتصادي للمدينة ولا حجم الجريمة المتزايدة فيها.
ورغم تكرار النداءات، ظل الملف مجمداً، ليبقى الاحتقان الاجتماعي متراكماً حتى انفجر في الأحداث الأخيرة، التي انتهت بسقوط شبان برصاص ما تزال الجهات الرسمية لم تقدم بشأنه رواية شاملة.
عائلات الضحايا.. بين الحزن والغضب وانتظار الحقيقة
عائلات الشبان الثلاثة تؤكد أن مطلبها بسيط: الحقيقة والمحاسبة.
لا تتهم جهة بعينها، ولا تقدّم روايات جاهزة، لكنها تصرخ منذ أربعين يوماً بأن أبناءها قُتلوا في ظروف غامضة، وأن صمت مؤسسات المخزن يزيد الجرح عمقاً.
جمعية “أطاك” اعتبرت أن عدم الكشف عن تفاصيل التحقيق يفتح الباب أمام التأويلات، ويعمّق انعدام الثقة، خاصة في سياق الاحتقان الاجتماعي وتزايد المحاكمات المرتبطة باحتجاجات الشباب في مدن عدة.
ملف مفتوح.. وأسئلة تنتظر إجابات واضحة
قضية “ضحايا القليعة” ليست حدثاً معزولاً، بل مرآة لوضع اجتماعي هشّ، وتراكمات طويلة من التهميش وسوء التدبير وغياب الخدمات الأساسية.
وإلى أن تتضح الحقيقة، يظل السؤال قائماً: لماذا سقط الشبان الثلاثة؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ ولماذا يعجز المسؤولون المحليون والوطنيون عن تقديم الرواية الرسمية كاملة؟
وفي ظل استمرار الاحتجاجات وارتفاع منسوب الغضب الشعبي، يبدو أن ملف القليعة لن يُطوى قريباً، وسيظل عنواناً صارخاً لفجوة الثقة بين المخزن والمغاربة، ولحاجة البلاد إلى معالجة جذرية للهشاشة بدل الاكتفاء بالحلول الأمنية.
