الاثنين 01 ديسمبر 2025

المخزن.. دولة تُحكم قبضتها بالقمع وتخنق ما تبقّى من فضاء الحرية

نُشر في:
المخزن.. دولة تُحكم قبضتها بالقمع وتخنق ما تبقّى من فضاء الحرية

لم يعد القمع في المغرب حالة معزولة، ولا تجاوزًا فرديًا لمؤسسة أمنية هنا أو هناك. ما تكشفه اليوم جمعية «أطاك المغرب» في تقريرها الأخير يقدّم صورة أكثر وضوحًا: نظام المخزن ماضٍ في هندسة فضاء عمومي خاضع بالكامل لسلطته، يكمّم الأفواه، ويدجّن الإعلام، ويحوّل النقد إلى جريمة، والفن إلى تهمة، والشباب إلى هدف مشروع للقمع.

إعلام تحت السيطرة… وخطوط تحرير تُكتب خارج غرف التحرير

تقرير «أطاك» يعرّي شبكة النفوذ التي تتحكم في الصحافة المغربية عبر رأسمال متغوّل، يستخدم المال للهيمنة على الدعم العمومي وتوجيه المضامين.
ليست المسألة مجرد ضغوط على صحفي هنا أو هناك؛ بل بنية متكاملة من التحكم المالي والسياسي تُعيد تشكيل الصحافة كجهاز ملحق بالسلطة المخزنية.
وما فضيحة «لجنة أخلاقيات الصحافة» إلا مثال فاضح: لجنة يُفترض أن تحمي المهنة، فإذا بها تتحوّل إلى ذراع تأديبية لإسكات الأصوات الحرة.

جيل يُعاقَب لأنه يرفض الصمت

القمع لم يعد موجهاً للصحافيين وحدهم. توسّع ليطال الفنانين، ومغنيي الراب، والمحتجين، خصوصًا شباب «جيل زد» الذين خرجوا في احتجاجات سلمية، فقوبلوا بـ القوة والاعتقالات والمتابعات الثقيلة.
النظام لا يخشى الاحتجاج فقط، بل يخشى جيلًا جديدًا لا يؤمن بالطابوهات السياسية التي حاول المخزن ترسيخها لعقود.

“التطهير الأخلاقي”… غطاء جديد لآلية قمع قديمة

السلطات المغربية لجأت مؤخرًا إلى ذريعة «التطهير الأخلاقي» لاعتقال صناع المحتوى ومستخدمين عاديين.
ذريعة هشّة تخلق خطابًا زائفًا: بدل مساءلة الدولة عن تجاوزاتها، تُحوّل الدفة نحو اتهام الأفراد بانحطاط السلوك.
إنه ببساطة:
تأميم للأخلاق لخدمة السيطرة السياسية.
ومن خلال هذا الخطاب، يُعاد تشكيل الفضاء العمومي وفق معايير تفرضها مؤسسات لا تمتلك أدنى شرعية لإصدار أحكام أخلاقية.

المخزن يعيد تعريف حرية التعبير… لتصبح مجرد امتياز قابل للسحب

ما تكشفه «أطاك» خطير: تراجع الضمانات القانونية، توسع الاعتقالات، وفرض وصاية على أشكال التعبير، من منشورات التواصل إلى الأغاني.
النظام يسعى إلى جعل المجتمع يقبل بالتدريج أن الدولة هي من يحدد ما يجب قوله وما يجب إسكاتُه.
إنه تدجين منهجي للرأي العام.

المطالبة بالحريات ليست ترفًا… بل شرط لإنقاذ ما تبقى من المجال العمومي

«أطاك» تطالب اليوم بوقف محاكمات الصحافيين، وحلّ مجلس الصحافة الذي فقد استقلاليته، وفتح نقاش عمومي حقيقي لبناء إطار إعلامي مستقل، بعيد عن لوبيات المال والسلطة.
وتطالب بإطلاق سراح معتقلي الرأي:
معتقلو حراك الريف، سعيدة العلمي، المحامي زيان، مغني الراب «بوزفلو»، وشباب «جيل زد» وغيرهم.

هذه المطالب ليست سياسية فقط؛ إنها صرخة إنذار أمام دولة تُعيد بناء فضائها العمومي على قاعدة الخوف.

خلاصة: نظام يزداد تغوّلًا… ومجتمع يُدفع نحو الصمت القسري

الأحداث والوقائع وأصوات المنظمات الحقوقية كلها تشير إلى حقيقة واحدة:
نظام المخزن يدفع المغرب نحو مرحلة أشد قتامة من القمع المنهجي، حيث الحرية تُجزّأ، والصحافة تُكمّم، والفن يُحاسَب، والاحتجاج يصبح تهمة.

وإذا لم يُكسر هذا المسار اليوم، فإن ما تبقى من حرية التعبير والتنظيم مهدد بالاندثار تحت ثقل دولة تُحكِم قبضتها باسم الأخلاق تارة، وباسم الأمن تارة أخرى، وباسم “الاستقرار” دائمًا.

رابط دائم : https://dzair.cc/n6mi نسخ

اقرأ أيضًا