20 أكتوبر، 2025
ANEP الاثنين 20 أكتوبر 2025

المخزن يُزيّن وجهه القبيح بالقوانين بينما الفساد ينهش الدولة من الداخل

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
المخزن يُزيّن وجهه القبيح بالقوانين بينما الفساد ينهش الدولة من الداخل

كلما اشتدت رياح الغضب الشعبي في المغرب، يسارع المخزن إلى إخراج ورقة “الإصلاحات” من جيبه، كما لو كانت ترياقًا سحريًا قادرًا على محو عقود من الفساد والإفلات من العقاب. وآخر هذه “الخطوات الإصلاحية” جاء في شكل مشروع قانون تنظيمي لمجلس النواب ومشروع آخر للأحزاب السياسية، تمت المصادقة عليهما في المجلس الوزاري الأخير، وسط ضجة إعلامية رسمية صُورت كأنها بداية “مرحلة جديدة” من الأخلاق والنزاهة السياسية.

لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك. فالمخزن — كعادته — لا يسنّ القوانين ليُحاسب الفاسدين، بل ليُحكم السيطرة عليهم. وما سُمِّي “مشروعًا لتطهير الحياة السياسية” ليس سوى طلاء تجميلي فوق جدار متآكل، الغاية منه امتصاص الغضب الشعبي الذي فجّرته حركة “جيل زد” وفضائح الفقر المتزايد التي كشفتها تقارير الجمعيات الحقوقية.

لقد أصاب محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، كبد الحقيقة حين قال إن “المؤسسة التشريعية غمرها الفاسدون واستغلتها لوبيات الريع لتحصين اللصوص من المحاسبة”. هذا الوصف ليس مبالغة؛ فالمغاربة يعرفون جيدًا أن البرلمان لم يعد مؤسسة تشريعية بقدر ما أصبح ملجأً آمناً للفاسدين وتجار النفوذ، حيث يُمنح الغطاء السياسي لمن نهب المال العام، بينما يُزجّ بالشباب والحقوقيين في السجون لمجرد مطالبتهم بالكرامة والحرية.

المخزن يتحدث اليوم عن “تجديد النخب” و“تشبيب العمل السياسي”، لكنه يرفض إطلاق سراح معتقلي حراك الريف، والنقيب محمد زيان، وكل الأصوات الحرة التي عرّت منظومة الفساد. كيف يمكن أن نتحدث عن مرحلة جديدة في ظل استمرار القمع، ومصادرة الصحف المستقلة، وتكميم الأفواه التي تجرؤ على فضح الفساد؟ أي إصلاح هذا الذي يَعد به من يعيّن نفس الولاة والعمال الذين أشرفوا على تزوير الانتخابات ونهب المال العام؟

سلطة المخزن اليوم تحاول أن تُقنع الداخل والخارج بأنها تسير نحو “المحاسبة والشفافية”، بينما الواقع يُظهر أن المحاسبة لا تطال إلا الضعفاء، وأن القوانين الجديدة ليست إلا غطاءً لتدوير نفس الوجوه المتورطة في منظومة الفساد السياسي والمالي.

المغاربة لا يطالبون بقوانين جديدة بقدر ما يطالبون بتطبيق القوانين الموجودة. فكل التقارير الرسمية التي صدرت عن المجلس الأعلى للحسابات وعن الجمعيات المدنية، والتي توثّق نهبًا ممنهجًا للمال العام، ما تزال حبيسة الأدراج، لأن العدالة الانتقائية هي قانون المخزن غير المعلن.

إذا أراد النظام المخزني فعلًا أن يفتح صفحة جديدة، فليبدأ بإطلاق سراح معتقلي الرأي، وإحالة الفاسدين الكبار إلى القضاء، ومصادرة ثرواتهم التي راكموها من عرق الفقراء. فالمغاربة سئموا من الخطب والوعود، ويريدون أفعالًا لا بلاغات رسمية. أما الاكتفاء بإخراج قوانين “أخلاقية” بينما الفساد يعشعش في مفاصل الدولة، فليس سوى محاولة جديدة لإلهاء الرأي العام وتلميع صورة نظام مأزوم داخليًا وخارجيًا.

لقد حان الوقت لأن يُدرك المخزن أن الشعب المغربي تغيّر. جيل “زد” الذي خرج إلى الشارع قبل أيام لم يخرج ليصفق للمراسيم الملكية، بل ليقول: كفى كذبًا، كفى فسادًا، كفى قمعًا. ولن تنفعه بعد اليوم لا “قوانين انتخابية جديدة” ولا وعود “بمرحلة مفصلية”، ما دامت العدالة غائبة والمال العام يُنهب في وضح النهار.

فالقوانين لا تصنع الأخلاق، بل الأخلاق هي التي تُعطي معنى للقانون. والمخزن، كما أثبتت التجارب، لا يعرف من القانون إلا ما يُبقيه في سدّة الحكم.

رابط دائم : https://dzair.cc/g4ow نسخ