21 سبتمبر، 2025
ANEP الأحد 21 سبتمبر 2025

المغاربة يطالبون بالحقّ في العلاج.. والمخزن يردّ بالهراوات والاعتقالات

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
المغاربة يطالبون بالحقّ في العلاج.. والمخزن يردّ بالهراوات والاعتقالات

تتسع رقعة الغضب الشعبي في المغرب يوماً بعد يوم مع تدهور المنظومة الصحية، لكن ردّ السلطة على أصوات المواطنين ظل وفياً لنهج قديم: القمع بدل الإصلاح، والاعتقالات بدل العلاج. أكبر جمعية حقوقية في البلاد، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خرجت ببيان ناري تدين فيه ما سمّته بـ“الحملة التأديبية المركزية” التي تشنها الدولة ضد المحتجين المطالبين بالحق في الصحة.

الجمعية حذرت من أن سياسة المنع الممنهج التي طالت وقفات في بني ملال وطاطا والصويرة ليست سوى محاولة للتغطية على فشل حكومي مدوٍّ في تسيير قطاع حيوي يُفترض أن يكون في قلب التنمية. فالمستشفيات، بما فيها الجامعية، عاجزة حتى عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات: بنايات متهالكة، تجهيزات غائبة، أدوية مفقودة، وأطر طبية منهكة تشتغل في ظروف أقرب إلى الإهانة.

لكن بدل أن تواجه الدولة الأزمة بإصلاح جذري، لجأت إلى “الحل الأمني” المعروف: حظر التظاهر مسبقاً، نشر قوات الأمن أمام المستشفيات، وتدخلات عنيفة في حق محتجين سلميين. الصويرة كانت النموذج الأوضح: مطاردات في الشوارع، اعتقالات بالجملة، عشرة موقوفين بينهم أعضاء في الجمعية الحقوقية، اقتيدوا إلى مخافر الشرطة وسط تنديد واسع ومطالب بالإفراج الفوري عنهم.

بلاغ الجمعية لم يكتفِ بالتنديد، بل حمّل السلطة مباشرة مسؤولية الانتهاكات، مطالباً بتحقيق نزيه ومحاسبة المسؤولين عن تجاوزات الأجهزة. الجمعية رأت أن “المقاربة الأمنية” لم تعد سوى وسيلة لترهيب المواطنين وكسر إرادتهم، في وقت تقتضي الأزمة معالجة الأسباب الحقيقية للاحتجاج: انهيار الخدمات الصحية وتفاقم التهميش الاجتماعي.

المخزن، حسب متابعين، يراهن على سياسة العصا الغليظة لطمس عجزه. لكن المفارقة أن هذه المقاربة لا تزيد إلا من تعرية فشله: فكل ممنوع يولد موجة غضب أوسع، وكل معتقل يتحول إلى رمز لخيبات شعب يُحرم من أبسط حقوقه.

البيان شدد على أن الحق في الصحة ليس ترفاً بل التزاماً دولياً يفرض على الدولة توفير مؤسسات مجهزة ورعاية متكاملة للجميع، إلى جانب حماية الأطر الطبية وتحسين شروط عملها. وطالبت الجمعية بسياسة صحية وطنية تضع حياة المواطن فوق منطق الصفقات والولاءات السياسية.

الرسالة الأعمق في هذا السياق أن الاحتجاجات لم تعد مجرد صرخات متفرقة في قرية أو مدينة، بل باتت مؤشراً على أزمة اجتماعية شاملة تهدد السلم الداخلي. الاحتقان الاجتماعي يتزايد في ظل بطالة مرتفعة، تراجع التعليم، أزمة الماء والسكن، وتراكمات من التهميش.

في الخلفية، يرى محللون أن التعامل القمعي مع احتجاجات الحق في الصحة يكشف مأزقاً أعمق: منظومة المخزن تخشى أن تتحول هذه المعارك الجزئية إلى موجة وطنية شاملة، لذلك تفضّل ضربها في المهد. لكن هذا النهج لا يلغي الأزمة، بل يفاقمها ويعمق الإحساس بانسداد الأفق.

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ختمت موقفها بتأكيد دعمها المطلق لكل النضالات السلمية دفاعاً عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها الحق في الصحة والتعليم والشغل والسكن. رسالتها واضحة: المغرب لا يحتاج إلى المزيد من “الأمن” فوق جراحه، بل إلى جرأة سياسية تعترف بالكارثة وتفتح طريق الإصلاح الحقيقي.

رابط دائم : https://dzair.cc/9g3w نسخ