8 سبتمبر، 2025
ANEP الاثنين 08 سبتمبر 2025

المغرب بين الغموض والوراثة: صمت المخزن حول صحة الملك محمد السادس يفتح أبواب الصراع حول العرش ويفضح مصالح الحاشية ونفوذ الخارج

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
المغرب بين الغموض والوراثة: صمت المخزن حول صحة الملك محمد السادس يفتح أبواب الصراع حول العرش ويفضح مصالح الحاشية ونفوذ الخارج

في الأشهر الأخيرة، تعالت الأسئلة حول حقيقة الوضع الصحي لملك المغرب محمد السادس، بعدما اختار المخزن سياسة التعتيم والاكتفاء ببلاغات مقتضبة لا تفصح سوى عن النزر القليل. هذا الصمت الممنهج لا يبدو مجرد إجراء بروتوكولي، بل يشي بوجود حسابات معقدة تتعلق بمسألة الخلافة على العرش وصراعات النفوذ داخل دوائر القرار.

وفيما نشرت أسبوعية “كوريي أنترناسيونال” الفرنسية تحليلًا في أوائل سبتمبر 2025 عن الأسرار المستمرة والصراع القائم حول صحة الملك محمد السادس وخلافته المستقبلية، تصاعدت التكهنات بشأن ما وراء هذا التعتيم المتعمد. فهل هو مجرد خيار سياسي لتفادي حالة فراغ؟ أم هو محاولة لإبقاء الفاعلين الداخليين والخارجيين بعيدين عن لعبة السلطة؟

غياب الشفافية الصحية… يعني تدفق صراع الخلافة

حينما أوردت “كوريي إنتيرناسيونال” أن التساؤلات بشأن صحة محمد السادس مسألة متكررة تطرح من داخل المخزن نفسه، وربطت ذلك بتوتر جرى داخل صفوف النخبة حول الخلافة المستقبلية، اتضحت الحقيقة: الإعلام الرسمي أوّل أمر الحالة الصحية إلى بلاغات مقتضبة، ولا تشرح إلا الحد الأدنى. وفي المقابل، تكاثرت تقارير غربية ترجح إصابة الملك بسرطان الدم أو ساركويد مزمن منذ 2023.

التكتم على الوضع الصحي للملك أفسح المجال أمام التأويلات التي تربط بين غياب الملك المتكرر وبين صراع مكتوم بين ولي العهد مولاي الحسن وعمه الأمير مولاي رشيد. وفي ظل غياب إطار دستوري واضح لمعالجة حالة العجز الصحي للملك، يتصاعد القلق من إمكانية انزلاق المشهد إلى فراغ مؤسساتي تستفيد منه أطراف نافذة داخل النظام.

التعتيم حماية للنظام أم غطاء للتنافس؟

يبدو أن تكميم الأفواه الطبية والتضييق على الأصوات الناقدة يمثل جزءًا من استراتيجية المخزن. ففي عام 2024، سجَن المغرب محمد زيان—وزير حقوق الإنسان السابق—بعد أن دعا الملك إلى التنازل إن لم يجد القدرة على الحكم. كما انتقد علاقة السلطان بوجوه نافذة مثل الأخوين زعيتر، الذين يقال إنهم يتحكمون في الوصول للملك (قرار قضائي ضدهم رفعته شخصيات مؤيدة للنظام).

وفي هذا السياق، يجد المخزن في الصمت وسيلة لحماية استقرار الحكم وتفادي اهتزازات قد تضعف هيبة المؤسسة الملكية. لكنه في الوقت نفسه يترك الساحة مفتوحة أمام الشائعات والتكهنات. ويشير مراقبون إلى أن المقربين من القصر، من رجال أمن ومستشارين، يجدون في هذا الوضع فرصة لتمديد نفوذهم والتحكم في مفاصل القرار بعيدًا عن أعين الرأي العام.

من جانب آخر فإنّ التعتيم يخدم النظام المخزني في تجنب حالة فراغ مؤسساتي تجلب صراعات نخبوية، لكنه في نفس الوقت يخلق بيئة خصبة للتكهنات والشائعات، مما يعكس هشاشة قنوات الحكم حسب تقارير أجنبية عديدة.

دوافع داخلية وخارجية لتأجيج الصراع

داخل المغرب، يستفيد عدد من الأطراف من إخفاء الحقيقة الصحية: فالأجهزة الأمنية بقيادة عبد اللطيف الحموشي، والمستشار المقرب فؤاد عالي الهمة، وربما عناصر ما يُسمى “دائرة الزعيتر” لها مصلحة في إبقاء السلطة معلقة وعدم تحديد خليفة حقيقي. لديهم نفوذ داخل الماكينة التنفيذية، ولا يريدون الانكشاف أمام احتمالات انتقال السلطة.

خارجيًا، يلعب الكيان الصهيوني وأطراف أوروبية، خاصة فرنسا، دورًا في تحريك الأجواء الحساسة: تزايد التعاون الأمني والعسكري بعد تطبيع العلاقات يجعل للموظفين الخارجيين مصالح في استمرار نظام المخزن دون تغيير مفاجئ، هؤلاء الشركاء الخارجيون يجمعهم قاسم مشترك: حرصهم على استمرار النظام دون اهتزاز، تجنبًا لأي تغيير قد يهدد مصالحهم الاقتصادية والأمنية. وهكذا يصبح الصمت حول صحة الملك ورقة سياسية لحماية شبكة معقدة من التحالفات الداخلية والخارجية.

تساؤلات شرعية: من يمثل الملك؟ ومن يتخذ القرار؟

السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه اليوم هو: من يدير المغرب فعليًا في ظل غياب متكرر للملك؟ وإذا كانت المؤسسة الملكية تاريخيًا تمثل ركيزة استقرار البلاد، فإن التعتيم المتواصل يضعف هذه الشرعية، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول مدى قدرة المخزن على ضمان انتقال سلس للسلطة.

مصادر إسبانية ومواقع إخبارية فرنسية تربط بين التعتيم وخطر فراغ دستوري. فالأمير مولاي الحسن قد دخل سن الرشد منذ 2021، لكن الإعلان عن رئيس للوزراء أو وصي على العرش لم يُصدر حتى الآن. وتجمد النقاش الدستوري حول صلاحيات الوصاية يشير إلى أن المخزن لا يريد إثارة المساءلة أو الاحتكاك مع تقاليد الحكم المغربية.

هل يعكس التعتيم ضعفًا مرئيًا أم حفاظًا على هيبة النظام الملكي؟

تحليلات The Economist و Africa Confidential تشير إلى أن غياب الملك المتكرر خارج البلاد—أكثر من 200 يوم خلال السنة—يرى فيه الداخلون في الحكم دعامة إيجابية: ليس هناك قائد فعلي يمكن محاسبته بسهولة. ولكن شريحة من المغاربة تعبّر عن القلق من انعدام الممثل الرسمي للدولة، وآخرين يتبنون رأيا أشبه منه إلى الموقف الذي يخدم مصالحهم وامتيازاتهم، حيث يرون أن النظام “مستقر بما فيه الكفاية على رغم ذلك”.

الكنز الملكي بين الحكم والثراء… والتبعات السياسية

تظل الثروة الملكية واحدة من أكثر الملفات حساسية وإثارة للجدل في المغرب. فإلى جانب الدور السياسي للملك باعتباره رأس الدولة و”أمير المؤمنين”، يبرز بعدٌ آخر لا يقل أهمية يتعلق بكونه أيضًا أحد أكبر الفاعلين الاقتصاديين في البلاد. إذ تشير تقديرات مؤسسات مالية غربية إلى أن العائلة الملكية تمتلك إمبراطورية مالية مترامية الأطراف، تشمل قطاعات البنوك، والعقار، والطاقة، والاتصالات، وحتى الصناعات الزراعية. هذا التشابك بين الحكم والثروة يضعف الفاصل بين المجالين، ويجعل من مسألة الشفافية والمساءلة نقطة ضعف بارزة في النظام السياسي المغربي.

في هذا السياق، يرى بعض المحللين أن غياب يقين حول مستقبل السلطة يضاعف من أهمية استمرار التحكم في الموارد المالية، بل ويجعل منها أداة استراتيجية لضمان الولاءات الداخلية والخارجية. فالتحالفات الاقتصادية بين القصر ونخب المال والأعمال المحلية تمثل صمام أمان لبقاء النظام، بينما الاستثمارات المشتركة مع شركاء أجانب، خصوصًا في أوروبا والكيان الصهيوني والإمارات، تؤدي دورًا حاسمًا في تأمين دعم سياسي خارجي يساند المخزن في أزماته الدبلوماسية.

لكن هذه المعادلة لها ثمن باهظ. فاستمرار تدفق الثروة إلى أعلى هرم السلطة يكرّس اتساع الفوارق الاجتماعية، ويغذي شعورًا متزايدًا بالاحتقان داخل الطبقات الوسطى والفقيرة التي تعاني من بطالة مرتفعة وتضخم خانق. هذا التناقض بين الثراء الفاحش لنظام المخزن وتردي الوضع المعيشي للمغاربة يهدد بانفجار اجتماعي على المدى البعيد، خاصة مع تصاعد وعي الشارع بدور الفساد المالي في إدامة الاستبداد السياسي.

وفي المحصلة، فإنّ إخفاء حقيقة صحة الملك محمد السادس أصبح أكثر من خيار تكتيكي أمني؛ إنه استراتيجيا يترك السؤال الأكبر: مَنْ يدير المغرب دون ملك؟. وفي غياب أجوبة واضحة، تنمو التناقضات وتتكشف الولاءات. والصراع على المستقبل لا يمكن تفاديه بوهم الصمت.

رابط دائم : https://dzair.cc/wk9c نسخ