الاثنين 22 ديسمبر 2025

المغرب تحت القمع الشامل: المخزن يحوّل الدولة من راعية للحقوق إلى خصم للشعب

نُشر في:
المغرب تحت القمع الشامل: المخزن يحوّل الدولة من راعية للحقوق إلى خصم للشعب

لم يعد تقرير الفضاء المغربي لحقوق الإنسان مجرد بلاغ حقوقي دوري، بل وثيقة اتهام سياسية وأخلاقية في حق نظام اختار، عن وعي وإصرار، إدارة الأزمات الاجتماعية بالعصا بدل الحلول، وبالقمع بدل المحاسبة. فحين تتقاطع الفواجع الإنسانية مع تغوّل السلطوية، ويُجابَه الاحتجاج السلمي بالسجن، تصبح الدولة نفسها جزءًا من المشكلة، لا إطارًا لحلها.

اللافت في تشخيص الهيئة الحقوقية ليس فقط تعداد الأزمات، بل ربطها ببنية تحكّم واحدة: سلطة تُغلق الفضاء العام، وتُحكم قبضتها على السياسات العمومية، وتتعامل مع المجتمع باعتباره خطرًا أمنيًا لا شريكًا سياسيًا. ففيضانات آسفي، وانهيارات فاس، ومأساة زلزال الحوز، ليست كوارث طبيعية معزولة، بل نتائج مباشرة لإهمال مزمن، وغياب وقاية، وفساد في التسيير، قبل أن تتحول — في منطق السلطة — إلى ملفات أمنية يُقمع فيها المحتجون بدل مساءلة المسؤولين.

الأخطر أن هذا المسار القمعي لم يعد استثناءً، بل سياسة عامة. آلاف من شباب “جيل زد” جرى توقيفهم ومحاكمتهم فقط لأنهم طالبوا بحقوق بديهية: تعليم، صحة، شغل، وكرامة. أكثر من 5780 موقوفًا، ومئات المعتقلين، بينهم قاصرون، في بلد يُفترض أنه اختار “النموذج التنموي الجديد”. أي نموذج هذا الذي يبدأ بالسجون وينتهي بتكميم الأفواه؟

إن استهداف الصحفيين، والمدونين، والخطباء، والنشطاء، يؤكد أن سلطة المخزن لا تخشى الفوضى بقدر ما تخشى الكلام. فحين يُحاصَر صحفي مثل حميد المهداوي بالدعاوى، ويُلاحَق أئمة بسبب مواقفهم، وتُسجَن مناضلات مثل سعيدة العلمي ونزهة مجدي، فإن الرسالة واضحة: لا صوت يعلو فوق صوت التحكم. القانون هنا لا يُستعمل لحماية الحقوق، بل لتأديب المجتمع.

وفي موازاة هذا القمع الداخلي، تواصل السلطة تجاهلها لمطلب شعبي واسع برفض التطبيع، رغم اتساع رقعة الاحتجاجات والتنديد الشعبي. وكأن الدولة قررت أن تعيش في قطيعة مزدوجة: قطيعة مع الداخل الغاضب، وقطيعة مع نبض الشارع العربي والإنساني المتضامن مع فلسطين. إنها سياسة صمّاء، لا تسمع إلا صدى أوامرها.

ما يكشفه تقرير الفضاء المغربي لحقوق الإنسان هو أن المغرب لا يعاني فقط من أزمات اجتماعية، بل من أزمة حكم. أزمة ثقة، وأزمة شرعية، وأزمة تصور للدولة نفسها. فالدولة التي تقمع المحتجين، وتؤجل المحاسبة، وتُفرغ الحقوق من مضمونها، لا تحمي الاستقرار، بل تؤجل الانفجار.

الاستقرار الحقيقي لا يُبنى بالاعتقال، ولا بالبلاغات الأمنية، ولا بتخويف الشباب، بل بإعادة فتح الفضاء العام، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والإفراج عن معتقلي الرأي، والاعتراف بأن المجتمع ليس خصمًا يجب كسره، بل قوة يجب الإنصات إليها. دون ذلك، سيظل المغرب يدور في حلقة مفرغة: أزمات تُقمع، وغضب يتراكم، وسلطة تزداد عزلة… إلى أن يصبح القمع نفسه دليلًا على الفشل.

رابط دائم : https://dzair.cc/kiwa نسخ

اقرأ أيضًا