الخميس 18 ديسمبر 2025

المغرب: ثلاث سنوات سجناً للكلمة.. المخزن يكرّس قضاء العقاب بدل قضاء العدالة

نُشر في:
المغرب: ثلاث سنوات سجناً للكلمة.. المخزن يكرّس قضاء العقاب بدل قضاء العدالة

مرة أخرى، تؤكد مؤسسات المخزن أن حرية التعبير في المغرب خط أحمر يُسمح بذكره في الخطب فقط، ويُعاقَب عليه في الواقع بالسجن. فقد أيدت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء الحكم الابتدائي القاضي بسجن الناشطة الحقوقية والمدونة، سعيدة العلمي، ثلاث سنوات نافذة، في قرار يعكس بوضوح إصرار السلطة على تجريم الرأي ومراكمة الأحكام الزجرية ضد الأصوات المزعجة.

الحكم، الذي يأتي بعد أشهر من إدانتها ابتدائيًا بثلاث سنوات سجناً وغرامة مالية، لا يمكن قراءته إلا كحلقة جديدة في سلسلة تصفية ممنهجة لحرية التعبير، حيث تُستعمل تهم فضفاضة من قبيل “إهانة هيئة منظمة” و “نشر ادعاءات كاذبة” و “إهانة القضاء”، ليس لحماية المؤسسات، بل لتحصينها من النقد والمساءلة.

من العفو إلى الزنزانة: العبث القضائي بعينه

المفارقة الصارخة في هذه القضية أن سعيدة العلمي كانت قد أُفرج عنها بعفو ملكي في عيد العرش لسنة 2024، قبل أن تُعاد إلى السجن بعد أقل من عام، في مشهد يفضح عبثية السياسة الجنائية للدولة:
عفو من جهة، وسجن أشد قسوة من جهة أخرى.
رسالة واضحة مفادها أن العفو لا يعني طيّ صفحة القمع، بل قد يكون مجرد استراحة قبل جولة جديدة من الانتقام القضائي.

قضاء يُحاكم النوايا لا الأفعال

رغم أن عشرات الهيئات الحقوقية اعتبرت متابعة سعيدة العلمي محاكمة بسبب الرأي والتعبير، اختارت المحاكم تجاهل هذه الأصوات، وتكريس منطق الردع. فبدل حماية الحق في التعبير، تحوّل القضاء إلى أداة لتكميم الأفواه، يعاقب المدونين والناشطين بدل محاسبة المسؤولين عن الفساد والاختلالات الحقيقية.

إن استمرار محاكمة الصحافيين والمدونين والناشطين وفق هذا النهج يطرح سؤالاً خطيرًا:
هل ما زال القضاء في المغرب سلطة مستقلة عن هيمنة المخزن، أم أصبح جزءًا من جهاز تأديبي وظيفته إسكات كل من يخرج عن الخط الرسمي؟

احتجاج في الشارع وصمم في المؤسسات

خارج قاعات المحاكم، لم يصمت الشارع. فقد رافقت محاكمة سعيدة العلمي وقفات احتجاجية تطالب بالإفراج عنها وعن كافة المعتقلين على خلفية حرية التعبير. لكن، وكما جرت العادة، قوبلت هذه الأصوات بالتجاهل، في وقت تصر فيه الدولة على تسويق صورة “الاستثناء المغربي” و“دولة الحقوق”.

الواقع، كما تكشفه هذه القضية، يقول العكس تمامًا:
دولة تُسجن فيها الكلمة، وتُجرّم فيها التدوينة، ويُكافأ فيها الصمت، بينما يُعاقَب النقد بثلاث سنوات خلف القضبان.

المخزن يحاكم الرأي ويخسر الشرعية

قضية سعيدة العلمي ليست حالة معزولة، بل جزء من سياسة عامة تهدف إلى إخضاع المجال العام، وترهيب كل من يفكر في التعبير خارج السقف المرسوم. إنها رسالة تخويف جماعية، مفادها أن الثمن قد يكون السجن الطويل.

لكن في المقابل، فإن هذا النهج لا يحقق الاستقرار، بل يُعمّق أزمة الثقة، ويكشف أن المخزن، بدل إصلاح أعطابه، يفضّل إسكات من يشير إليها.
وكل حكم جديد ضد حرية التعبير ليس انتصارًا للسلطة، بل هزيمة جديدة للعدالة والشرعية السياسية.

رابط دائم : https://dzair.cc/kadw نسخ

اقرأ أيضًا